“كبسة أم عفسة؟”

ضمن الأفكار الكثيرة التي تتقافز أمامي في الأفق مثل ظباء خراش، “فما  يدري خراش ما يصيد”، ولاهتمامي بأحوال حركة المرور الخانقة بالعاصمة الرياض، فكرت غير مرة في إعداد دراسة بعنوان “أثر الكبسة في تحويل حركة المرور إلى عفسة”! كل هذا لرصد أسباب الازدحام المروري، التي منها تزايد عدد السكان والمركبات وتنوعها، وسوء استخدامها، وعدم الانضباط من نسبة كبيرة من السائقين، وعند مروري من بعض المضائق في الطرقات لاحظت أن المطاعم من أسباب عرقلة حركة المرور، على رغم أن أنظمة أمانة مدينة الرياض تمنع المطاعم من خدمة الزبائن وهم في سياراتهم، كما تقول لوحات منصوبة، تلافياً للازدحام إلا أن هذا لا يطبق على الجميع، وعند التطبيق يتم ترحيل المشكلة إلى السيارات، تصطف أرتال منها بطريقة لا تراها إلا في السعودية بحثاً عن “كبسة أو مثلوثة، مصرورة في كيس أو صحن من البلاستيك”. لم يعد الوقوف مزدوجاً بل وصل إلى مضاعفات المزدوج، وبينها سيارات رسمية، أمنية وغير أمنية، وجميع المزدحمين ينتظرون العمل بقول الجوعان: “مقابل الجيش ولا مقابل العيش”.
والتحول الملحوظ من طبخ الأكل في المنزل إلى جلبه من المطاعم، معلوم، لكنه ازداد بوتيرة متسارعة، كانت البداية مع وجبة العشاء ولحقت بها وجبة الغداء، والإفطار معروف أمره من قبل، حتى ان صديقاً من “الكشاتة”، رفاق رحلات الصحراء، لاحظ تراجع الجدوى الاقتصادية من إنشاء المطابخ في المنازل، وكان التصور السابق أن نسبة مهمة من سكان مدينة الرياض هم من العزاب طلاباً وعمالاً، وانضم لهم جمع من العائلات، إما لأن الزوجة عاملة أو لأنها غير عاملة في… المنزل!
وعلى رغم ارتفاع الأصوات بسبب ارتفاع الأسعار الكبير في أمور المعيشة الذي لم يترك شيئاً من الحاجات، ومنها مخرجات المطاعم، وتضخم التصريحات المخففة من التضخم، إلا أن ديدن الناس قولهم “ما حدك على المر إلا الأكثر مرارة منه”، ميزة جلب الأكل من المطاعم ليس التنويع فقط بل حرية النقد، يمكن لجميع أفراد العائلة “حش” نوعية الأكل بكل أريحية من دون الوقوع في مشكلات عائلية، أو مس مشاعر احد أفرادها بما فيهم الخادمة المبجلة، كما يمكن تبديل مصدر الأكل، على العكس من أمور أخرى يصعب تبديلها!
ومع أن الحديث النبوي الشريف، وجه المسلمين بثلث المعدة كحد أقصى للأكل، إلا أن أصحاب السيارات أصبحوا يحتلون ثلاثة أرباع الطريق لأجل الأكل، فأصبحت مواقع المطاعم مخانق مرورية إضافية، مع ملاحظة أن الواقفين أمامها متسامحون إلى حد ما مع بعضهم، على العكس من تعاملاتهم في الطريق، المشوبة بكثير من العصبية و “الحنشلية”! أما السبب فهو نداء البطون وانتظار الجائزة… “الكبسة” وبناتها، وهنا نصل إلى توصية الدراسة، الحث على التوعية من خلال البطون!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.