مشعل الحرائق

منطقة الشرق الأوسط الملتهبة حظيت أخيراً بجولة لأحد كبار باعة الكلام، بعد انكفاء لافت عن الحضور السياسي. توني بلير رئيس الوزراء البريطاني قام بجولة، وقال كلاماً هنا وهناك، القصد منه الحضور بعد غياب عن الساحة، وترميم تشوهات الوجه المتآكل للسياسية البريطانية، سواء في العراق المقتول، أو أثناء العدوان الصهيوني على لبنان. ولعل من المضحك أن يطالب بلير بدعم الرئيس الفلسطيني! لست مع عباس ولا “حماس”، مثل غيري أنظر لأحوال الضعفاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أنظر لأحوال جموع من البشر الذين يُستخدمون حطباً لصراع سياسي للتمسك بزمام السلطة، وهم في الأصل تحت سيف ملطخ بالدماء لا يُحاسب، يمسك به الجلاد الإسرائيلي.
منذ أن كان الرئيس عباس رديفاً للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وهو محظوظ بالدعم الغربي الذي لا يخرج عن الكلام. استخدم عباس فترة، وعندما توفي عرفات أصبح أبو مازن على رأس السلطة الفلسطينية، فعلام حصل من بلير أو بوش؟ أو حتى ممن يصفه بالصديق المخلص… أقصد رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت؟ لا شيء سوى مماطلات وحصار، وفنون في القتل السياسي البطيء، وأثبتت تلك الفترة أن كل تنازلات أبو مازن وخطابه السياسي اللين مع الإسرائيليين لم يحقق أي تقدم على الأرض، تأكيداً لحقيقة يعرفها الجميع، هي ان إسرائيل لا تريد سلاماً، بل هيمنة على المنطقة. ثم انتخبت “حماس” وتم حصارها، وقتل الوليد السياسي في صورة من صور التراجع المخزي للمنادين زوراً بالديموقراطية. لم تُترك “حماس” لتقوم بتجربتها وفق الديموقراطية المزعومة فتنجح او تفشل، بل تمت محاصرتها حتى ارتمت كلياً في أحضان طهران.
الأسبوع الماضي يصرِّح بلير قائلاً إنه لن يرتاح إلا بعد إقامة دولتين على أرض فلسطين! وهذا من بيع الكلام، ليس هناك أرخص من التصريحات السياسية. إقامة دولة فلسطينية عقبتها الوحيدة تنازلات من الدولة الصهيونية، وهو ما يعلمه بلير، لكنه يبيع الكلام، وهو أمر ليس جديداً على السياسة البريطانية في المنطقة. الأمر الجديد والخطير ما يريد السيد بلير بيعه لنا، يطالب رئيس الوزراء البريطاني الدول العربية “المعتدلة” بالتكتل في حلف لمواجهة إيران! يريد بلير بيع صداعه مع إيران إلى الدول العربية المعتدلة، التي لم يقدم لها هو وحكومته وشريكه الأكبر بوش شيئاً يذكر في مقابل اعتدالها، سوى الكلام المتطاير.
ويتناسى بلير أنه هو من فتح أبواب العراق للهيمنة الإيرانية، وأنه مع شريكه بوش كانا سلّماً متحركاً لوصول أحزاب سياسية تقوم أدبياتها على الطائفية وحضنتها طهران إلى الحكم في بغداد! يتناسى بلير كل هذا، ويريد توريط المنطقة والدول العربية المعتدلة في صراع مع إيران. يعلن بلير عن نفسه أنه إطفائي، ولا يظهر من الخراطيم التي يحملها سوى لهب النار المستعر.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.