“حمّال الأسيّة”

في عقد الصحافة حبات كثر تشكو من التهميش، يبرز منها حامل الكاميرا، أهمية الصورة في العمل الصحافي معروفة، فقد تغني المميزة منها عن كلام طويل ممل، وخلال تجربتي الصحافية ثبت لدي أن المصور وضع في أسفل السلم الصحافي، وربما تحته! وإلى وقت قريب كان يلاحق من جهات كثيرة، اقلها بعض المشاة.
عند دعوة الصحافة لتغطية المناسبات الرسمية أول ما يذكر ويطلب ويشدد عليه حضور المصورين. وعندما يحضرون يتم التعامل معهم مثل متسولين لحوحين، فالدفع و “الدف” و “الدفش” وسحب الأشمغة أو سقوط العقل من فوق الرؤوس بالنسبة إلى السعوديين منهم هو أقل النتائج، وقد يُدعون ثم يُطردون! أما داخل البناية الصحافية فتوفر لهم أصغر المكاتب، أو أقصاها، ومهما كان عدد المصورين في الصحيفة فلن يصل إلى ربع عدد المحررين المتفرغين، مع ملاحقة قضايا كثيرة من هذا العدد القليل في وقت ضيق.
يُنظر للمصور على أنه “ضاغط زر”، فلا يتم التعامل معه على أنه صاحب رؤية موهوب وجهده مكمل للعمل الصحافي. اللهم إلا إذا نجح في التقاط صورة “نادرة” لرئيس التحرير وهو يبتسم، هنا يتم الاهتمام به في حظوة موقتة. مهنته خلف الكاميرا حذفته من الصورة والبرواز. وكلما تذكرت أحوال مصوري الصحف أسترجع مواقف. أحدهم جعله جسمه الضئيل مع شماغه الطويل عرضة للأذى من الحراس في المناسبات، وكذا من زملاء المهنة، وعند ازدحام المصورين، يكون “للدفش والدف” قصب السبق. وصادف أن التقيته قبل شهر في مناسبة، فقمت بفتح الموضوع فصدرت منه “آهات وآهات”، تذكّر المواقف الصعبة عليه، الطريفة لثلة من المتفرجين، والمصور قد يتعرض للضرب والإهانة… لا لسبب إلا حساسية بعضهم من الكاميرا، ومع اهتمام الصحف بصور العرسان وحفلات الزواج، قال لي أحد المصورين إنهم يتعرضون للطرد. يدعوهم العريس لتصوير حفلته فيطردهم والد العروس! من المؤكد أن العريس سيبتلع لسانه مع رشفة قهوة! بل ربما يتطوع بعض المدعوين لطردهم علناً! لكل فرد الحق في رفض التصوير، إنما في دعوة زفاف “سعيدة” كما يفترض، الأفضل الهمس في آذانهم بممانعة بعض الأطراف، وبحسب علمي، لا يحضر المصورون هذه الحفلات إلا بدعوة وإلحاح. وفي زمن مضى طلبت من زميل مصور في جدة صورة ميدانية، فلفت انتباهه متسول أفريقي طويل ضخم متكئ على عكاز مدعياً الإعاقة، فقام بتصويره، فتحول المتسول المعوق إلى متسابق وحامل أثقال، تلاشت الإعاقة ولحق بزميلنا راكضاً مهدداً ومتوعداً إياه إذا نشر الصورة، وأنه يعرف أين يجده! ولم تنشر الصورة حذراً من تعرضه للأذى، فمن الذي سيجد متسولاً أشبه بالمصارع في جدة؟ هي دعوة لتقدير عمل زملائنا المصورين وحفظ كرامتهم.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.