أنصح سكان مكة المكرمة وضيوفها وما حولها، مثل جدة والطائف، بألاّ يأكلوا لحوماً حمراء في المطاعم. أما إذا قرر أحدهم إقامة وليمة، فعليه أن يطبخها بنفسه. لا زيادة في إكرام الضيف، بل حتى لا تستبدل بـ “مفطحك” “فطيساً ملوثة”، فتظهر صورتك مع ضيوفك في قسم الطوارئ! السبب حوادث تهريب لحوم أضاح وهدي من المشاعر إلى خارج مكة المكرمة في حال غير صالحة للاستهلاك. وهو في الأصل ممنوع. وهذا يعني أنها تتداول في العاصمة المقدسة. ألف رأس تم تهريبها داخل صهريج ماء إلى الطائف، لكن البلدية والرائحة الزنخة كشفتا المستور، والسؤال لأمانة مكة المكرمة: كيف سُمح بتهريبها من مسالخ المشاعر؟
يفد إلى مكة المكرمة الملايين من الحجاج سنوياً لأداء الحج، طلباً للمغفرة وأداءً لركن من أركان الإسلام، وبينهم يندس المئات وربما الآلاف من اللصوص والنشالين والمشعوذين والمتاجرين بسلع غير شرعية، بعضهم من قدامى المتخلفين في مكة، وآخرون قدموا بتأشيرات حج وعمرة. هذا ما يحدث سنوياً، وتبقى أرض مكة المكرمة لخصوصيتها ملاذاً آمناً لكثير من المخالفين، يحصلون على دورات تهيئة وتكيّف مع المجتمع إلى حين، ثم يتسللون إلى بقية المناطق. في الجانب الآخر أصبح موسم الحج أفضل منفذ لهروب العمالة، تأتي الخادمة بشرط أداء الحج، وما أن تنتهي منه حتى تتبخر في مكة المكرمة، ثم انتقل الأمر إلى بقية المدن ببركات
جهات مثل وزارات العمل والحج، التي تنظر إلى الجانب الاقتصادي بطرف عين، وتغمض الأخرى عن الجانب الأمني، والضغط الكبير يقع على عاتق الجهات الأمنية، على رغم أن حملاتها في مكة المكرمة وما جاورها لا تتناسب مع ما داخلها.
هناك ملفات خطرة تتورم وتتضخم كل يوم ولا يُلتفت إليها، فكان أن تم تصديرها بعد التكُّيف إلى مدن أخرى. وها نحن نرى بعض الأحياء القديمة المهملة في الرياض وغيرها أصبحت مأوى لمقيمين غير شرعيين، قدموا أصلاً من منفذ الحج، خصوصاً من جنسيات أفريقية، توالدوا وتناسلوا في بيئات صعبة، ونشأت أجيال منهم، والجهات المختصة لا تريد معالجة هذه الملفات، ربما بانتظار أن تنفجر! وقتها سيأتي الحديث عن إجراء دراسات، وتُفتحُ الأعيُن على ظاهرةٍ استشرت، وربما تأتيكم جهات تستثمر القضية للابتزاز الإعلامي.
ومن موقع المتابع، يظهر لي أن وزارتي العمل والحج تعملان من دون تنسيق يذكر مع وزارة الداخلية. واحدة تُلاحِق وأخرى فتحت كل الأبواب، والعمل سهّلت العمل غير المشروع، وأوجدت سوقاً سوداء تضرر منها كل ملتزم بالأنظمة. هذا الثقب الخطر وتلك الملفات الملغَّمة، تستدعي وقفة جادة من مجلس الوزراء. أما ملفات الذين استقروا بصورة غير شرعية فإن للسعودية علاقات جيدة مع بلدانهم الأصلية ينبغي استثمارها.