“عطر الفكس”

عادت لدهان “الفكس” شعبيته مع موجة الصقيع. و “الفكس” دهان عرفه الأجداد والآباء، وتحتفظ به الأمهات مثل دهان سحري، اكتسب شعبية قبل حبات “البنادول” وحقن الأنفلونزا وشراب الكحة، لقدرته على استخراج البرد من الجسم. ادهن الجزء المصاب بالألم أو الصداع وابتعد عن تيارات الهواء مع التدفئة. هذه الأيام ومع اشتداد البرد أصبح “الفكس” عطراً “مخلوطاً” بروائح دهن العود أو البصل! ويتناقل الناس أخباراً عن درجات الحرارة، فهي المسيطرة على الأحاديث. احتلت معدلات هذه الدرجات موقع حركة مؤشر سوق الأسهم. حالات تجمّد المياه في الأنابيب، وتفجر بعضها في مناطق شمال السعودية، ولم يظهر أي تفسير علمي. هل ما نشهده هذه الأيام أمر طبيعي أم استثنائي؟ في العادة نسمع ونشاهد نشرات الأحوال الجوية فتخبرنا عن منخفضات جوية ومرتفعات، لكن حضورها الحالي لا يوازي سطوة الصقيع. يظهر أن المذيعين والمتوقّعين منشغلون بجمع الحطب! والبرد الذي عُرفت به الصحراء انتقل للدور وسط المدن، فجمدت عظام الناس، وانكمشوا على أنفسهم، وتدنى مستوى الحركة في الطرقات، في الرياض التي تعيش الليالي بطولها أصبح السكان يهجعون إلى منازلهم في أوقات باكرة. وأضم صوتي لصوت الزميل محمد الخازم، الذي التفت إلى وضع عمال النظافة وأحوالهم، وهم بتلك الملابس البسيطة في الصباح والمساء، يجب أن تلزم الشركات المشغّلة بحمايتهم من البرد. والله وحده يعلم أحوال الفقراء، فلا نقرأ دعوات وحملات لمساعدتهم في هذه الأحوال الصعبة. هذا برد لا ينفع معه “حطب ولا جمر”، مع ما فيه من خطورة الاختناق، فلا بد من ترك نافذة مفتوحة ليكون الإنسان بين نار دافئة وأخرى باردة، كما لا تنفع مع شدة الصقيع الدفّايات الكهربائية، وتحفل أسواق السعودية بأنواع من الدفّايات الكهربائية معظمها صيني رديء الصنع، وقد يسبب أخطاراً أقلها حالات تماسّ. وهيئة المواصفات والجمارك وجهات الرقابة مشغولة عن هذا ربما بجمع الحطب! مشكلتنا أن منازلنا جُهّزت للصيف أكثر من كونها مصممة للشتاء، حيث تعودنا على أنه فصل قصير، على رغم أن “المربعانية” هذه السنة أخذت حقها وزيادة، ونعلم أن برد الصحارى برد جاف “سكاكيني”، إلا أننا نعتقد أنه أقل برودة من بلاد تغطيها الثلوج، إلى أن زار الرياض صديق يعيش في أوكرانيا قادماً من شتائها، فأخبرني – وهو يرتعد – أنه لم يعرف برداً مثل برد الرياض، ولولا خوفي عليه، خصوصاً أن شعر رأسه انقرض، لكنت دعوته لزيارة “طريف” أو “عرعر” في الشمال. فإذا شممت في من يجاورك رائحة “الفكس” الحادة المزعجة، فتخيل أنه نوع جديد من العطور، ولا تبتئس وتعبس في وجهه، ربما تحتاجه بعد ساعات، فتضعه في جيبك مثل “تولة” دهن العود الأصلي.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.