في شرب الحليب

كانت صورة ظريفة، اثنان من الوزراء يشربان الحليب مع مجموعة من الأطفال، أصبح هناك يوم للحليب في السعودية، ما توقفت عنده هو حشر “الوطني” في يوم الحليب، فهو اليوم “الوطني” للحليب، ولست أعلم لماذا تحشر “الوطنية” في كل شيء، هل هي مقياس لدرجة الاهتمام؟ ألا تلاحظون أن صفة الوطنية تم استهلاكها وفرغت من معانيها الجليلة، ولو كانت “البقرة” هي “الحيوان الرسمي” لبلادنا لقلت “الأمر معقول”، لكنني اعلم مثلما تعلمون أن “الحيوان الرسمي” لبلادنا هو البعير والناقة، ولدينا “مزايين” للإبل وليس لدينا “مزايين” للبقر! ولمن هم خارج السعودية، “المزايين” من “زين” فهو “مزيون” أي جميل، وهي مسابقات تُجرى لاختيار أجمل الإبل بحسب مواصفات معينة لا أفقه الكثير من تفاصيلها.
وأتمنى ألا أفهم خطأ، أنا أحب الحليب واشربه مثل الوزراء تماماً، ومن العلبة مباشرة، لكن من غير “مشلح”! وأحرص على الإنتاج المحلي الطازج فقد تركت المسحوق الهولندي من “أبو ولد” و “أبو ضرع” منذ زمن طويل، يظهر أن هذا سبب “وطنيتي المتينة”! واقدر نجاح شركات إنتاجه، وأتمنى لها مزيداً من التقدم، إلا أنني إذا ما “قعدت مع نفسي” أو وقفت أمامها إذا ما رفضت الجلوس، تعتريني بعض التساؤلات، احد الوزراء قال في معرض الفخر بالإنتاج الوطني من الحليب أنه يصدر إلى الخارج! والجميع يعلم كم يحتاج إنتاج لتر الحليب من لترات الماء حتى يصل للمستهلك، اختلفوا في عدد لترات الماء لكنه عدد كبير يحرك نوازع العطش! فلماذا التصدير؟ “الاكتفاء الذاتي أمر كاف”، ومن تساؤلاتي وعجبي الذي لا ينتهي أننا استطعنا استيراد البقر الهولندي لنصبح من أكبر المنتجين للحليب والألبان، ولم نستطع الاستفادة من النوق إلا في “المزايين”!
هنا أتذكر تجربة لسيدة أعمال موريتانية، درست في انكلترا ثم عادت لبلادها وأسست معملاً لإنتاج حليب النوق، تخرج سيارات من معملها  كل صباح إلى المراعي لتجمع الحليب من أصحاب “الحلال”، ونجحت تجربتها تجارياً، وأصبح المعمل مصنعاً، استفادت وأفادت أصحاب “الحلال”، طرحت الفكرة على صديق “بعاريني”، أي يختلط كثيراً بالبعارين، فرد بحزم قائلاً: عيب! لماذا؟ العرف البدوي لا يجيز بيع الحليب، فهو يشرب ويهدى ويكرم به الضيف! إلا أننا نعلم أحوال مربي الإبل عند القحط والجدب، فهي لا تسر، في العام الماضي شاهدت قطعان الإبل تسير منهكة ضامرة من كل صوب في صحاري السعودية إلى الشمال، لتتزاحم على رقعة ربيع صغيرة. ربما لأن البقرة أجنبية أصلاً فيمكن بيع حليبها أما المواطنة الناقة، فلا يمكنها البيع، تماماً مثل ممارسة التجارة للموظفين!
أشجع على شرب الحليب للكبار والأطفال، خصوصاً أن بعض التلاميذ في الصور المنشورة كانوا يرمقون بنظراتهم أصحاب المعالي، ربما فكرت تلك الأدمغة الصغيرة أن شرب الحليب أقصر الطرق لكرسي الوزارة!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.