هل استقال العرب من العراق؟

استقال سفير الجامعة العربية في بغداد من منصبه. الشريط الفضائي الذي نقل الخبر ذكر أن السفير برر الاستقالة بعدم وجود “رؤية عربية واضحة” تجاه العراق. بعد يوم نُسب للجامعة العربية أنها سحبت سفيرها لعدم توافر الأمن في بغداد، ثم قالت لاحقاً إن وجودها في العراق سيبقى.
ومنذ الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق والوجود العربي مستهدف، هوجمت أكثر من سفارة عربية ولأكثر من مرة، واختُطف السفير المصري ثم اغتيل في جريمة بشعة لم يكشف “رسمياً” عمّن يقف وراءها، فلا تحقيقات من الحكومة العراقية ولا بيانات. والمثير لعلامات الاستفهام أن السفارات المستهدفة هي لدول عربية على علاقة جيدة مع حكومة الاحتلال، وتم تلطيخ سمعة العرب في العراق فأصبحوا إرهابيين! في مقابل انسحاب أو استقالة سفير الجامعة العربية في العراق، والانكفاء العربي الواضح عن التعاطي الفاعل مع الشأن العراقي، أعلن السفير الإيراني في بغداد عن رؤية إيرانية واضحة تجاه العراق. تحدث السفير حسن كاظمي قمي لصحيفة نيويورك تايمز، فأشار إلى تعزيز للعلاقات العسكرية والاقتصادية، واتفاقات للتدريب ومشاريع للإعمار. ومعلوم أن إيران لا تقدم هبات مالية كما تفعل دول الخليج. مشاريعها محسوبة. ومن متابعة للشأن العراقي لاحظت أن المتعاطفين من العراقيين مع الحضور الإيراني المكثف في بلادهم يبررون ذلك تارة بأن الدول العربية دعمت نظام صدام، وتارة أخرى بأنها بعد الاحتلال لم تقدم شيئاً، متناسين أن المحاولات العربية كانت تقتل في المهد، مرة باسم الزرقاوي، ومرات باسم “جماعة من الإرهابيين”! والواقع يقول إن الحكومة العراقية الحالية وصلت إلى ذروة التنسيق مع إيران، تم ويتم هذا بمباركة الأميركان الذين قدموا السلطة لسياسيين تمت صناعتهم في إيران.
ولأنه ليس من مصلحة الدول العربية المهمومة بالوضع العراقي، الانصياع للسياسة الاميركية، وهي سياسة حمقاء، لا تُبقي ولا تذر، ولا علاقة لها بحقوق الإنسان ولا الديموقراطية، وهي تتجه علناً، على الأقل، للتخويف من إيران وتسمينها بالنووي، تمهيداً للمواجهة معها، وسحب دول عربية لهذه المواجهة سياسياً واقتصادياً، فإن الحاجة باتت ماسة لمبادرة عربية لإصلاح الشأن العراقي. هناك أصوات كثيرة في العراق من مختلف الطوائف ولها حضور، إلا أنها مهمشة إعلامياً، وهناك مرجعيات دينية شيعية عربية لها حضورها وتأثيرها في العراق، إلا أنها لا تجد دعماً سياسياً.
ولأن الجامعة العربية لم تحقق في السابق شيئاً يستحق الذكر،  فإن دول الخليج العربية مطالبة بإطلاق مبادرة للمصالحة العراقية. مبادرة عربية، غرضها وحدة العراق، واستتباب الأمن فيه، والمحافظة على هويته. والتعويل على اجتماعات لدول الجوار العراقي لن يحقق سوى خسارة اكبر، وتجذير للواقع العراقي المر. دول الخليج هي المعنية أكثر من غيرها بما يحدث في العراق، وهو يكاد يتحول إلى فلسطين جديدة، وقبل أيام صرح جون بولتون قائلاً: “لا مصلحة للولايات المتحدة في بقاء العراق موحداً”! فهل أنتم مبادرون؟            

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.