“لزقة الكاميرا”

لديه قدرة عجيبة على استئناس الكاميرا، كل أنواع الكاميرات، الفوتوغرافية والتلفزيونية والجوالية، تجده دائماً في عينها، يقول لها دائماً “عيني بعينك”، هو ليس شخصاً واحداً، بل هو سلوك ملحوظ، يختلف أصحابه باختلاف مواقعهم، تجد أسفل سلم الكاميرا أولئك المتقافزين وراء ضيف الكاميرا، إما في ملعب كرة القدم او جولة ميدانية تلفزيونية في الشارع، وفي أعلاه، شكلاً وليس مضموناً، تلبس هذه الشخصية “المشلح”، فترى عينها بعين الكاميرا مبحلقة، تلتصق مثل “علق” بالشخصية الرئيسية في الفعالية، الاقتراب من الشخصيات في الاحتفالات يتيح فرصة أكبر لنشر الصورة والظهور.
 في حديث مع صديق ترك الصحافة، ذكر لي جملة حكايات عن أحد رموز استئناس الكاميرا، وهو من الرموز الشعبية، وإذا حرثنا بحثاً عن جذور العلاقة وأصلها، نجد أن بداياتها تأتي من علاقة “لزقة الكاميرا” بالصورة، أن يكون مثلاً “مراسل صور”، ومراسل الصور يقوم بدور ساعي البريد لنشر صور شخصيات وفعاليات وأفراد، ويضمن بعلاقاته و “ذرابته” نشرها بالحجم والمكان المناسب، أعود إلى موقف طريف من ذاكرة الزميل الصحافي السابق، يذكر أن “لزقة الكاميرا” عندما كان “مراسل صور” لا يحضر صوراً للنشر إلا وهو موجود بين أركانها، على رغم أن لا ناقة له أو بعيراً في الموضوع، ولكثرتها أصبح الصديق الصحافي يقص الجزء الذي يظهر فيه “لزقة الكاميرا”، فما كان منه لاحقاً إلا أن أصبح حريصاً على الظهور في منتصف الصورة، وكأنه يقول “خل مقصك ينفعك”.
ولدى أمثال هؤلاء قدرات عجيبة على اختيار المواقع المناسبة للظهور، يكون الجمع مشغولاً بالموضوع الذي توافدوا لأجله، إلا “لزقة الكاميرا”، في تلك اللحظات يعيش هو مباراة مثيرة مع الكاميرا، فيتموضع دائماً في الزاوية المناسبة، وتبذل هذه الفئة الغالي والنفيس كرماً لعيون الكاميرا، وليس سراً أن بعضاً منهم يستأنس المصور سواء كان مصوراً لصحيفة أو قناة تلفزيونية، وقد يمتد التأثير إلى المخرج، فتمر الكاميرا لتتوقف عنده.. وكأنها صدفة، وعندما تقع عيناه على عين الكاميرا يصاب بالحرج المشبع بالامتنان والحبور ويبتسم… فهو الآن في لقاء الصدفة أمام حبيبته… عيناً بعين! وهذه الفئة لا علاقة لها بمضامين الفعاليات التي يوجدون فيها، فلو أعلنت عن كاميرا مفتوحة على الهواء في الربع الخالي لشدوا الرحال إليها، الكاميرا ساحرة وهم وقعوا في براثنها، يظهر انه من سحر الظهور، وهو مثيل لسحر الشاشة مع اختلاف التأثير، وأجد في متابعة محاولاتهم المضنية للتمركز أمام الكاميرا مادة ساخرة، هم يقدمون لنا عملاً كوميدياً عفوياً، نحتاج إليه مع ما نعانيه من ندرة وقحط في هذا الفن.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.