هل تعتقد أن المسؤول يرى ما نراه؟ مؤكد أنه يرى، لكن من المشكوك فيه أن يرى ما نراه. لا فرق في القدرة على الرؤية. الفرق في المشهد، لأجل هذه الحاسة الحساسة عند المسؤول تجرى عمليات التجميل على عجل، وتنفق الأموال بسرعة تقفز العوائق البيروقراطية برشاقة، هنا حالة معروفة ومتكررة، يستقبل المسؤول بالورد، فهو يرى الورد ولا يراه الشخص العادي، وربما تزرع المكاتب بأجهزة الكومبيوتر بشاشاتها المضاءة مع موظفين مبتسمين، عندما يخرج المسؤول تتم إزالة هذه الدهانات الخارجية، فيقال لك “السستم داون” (النظام معطل)، وينسى الموظف الابتسامة، لقد أخذها المسؤول معه عند مغادرته ربما إلى غير رجعة، يبتسم وقد يضحك بعض الموظفين لنكات زملائهم، وعندما يدلف المراجع يصبح كمن انتهك الخصوصيات، لذلك يستقبل بالتكشير أو بإشارة سريعة إلى المكتب الثاني الذي لا يوجد فيه أحد في العادة.
ما يُجرى من تجميل للمكاتب والبنايات استعداداً لزيارة المسؤول، يُجرى أيضاً على الشارع الذي يمر فيه. على عجل تمد طبقة جديدة ناعمة من الأسفلت لتختفي الحفر والتشققات، فهي مخصصة للمواطن، نعومة الطبقة الأسفلتية أنعم من خد المواطن، وتعانق الزهور والنباتات الهواء من اليمين واليسار، وللمواطن التراب، قد يكون الغرض قص شريط فينتهي الأمر عند القص، وتتم بسرعة البرق إزاحة كل ما تم لصقه وتصفيفه… لقد ذهب المسؤول!
هل يسمع المسؤول ما نسمع؟ أيضاً هذه مسألة فيها نظر، هي الحاسة الحساسة نفسها، الفرق أن المسؤول يستطيع… إلى حد ما، التحكم بما يسمع… ربما من حوله يتحكم فيه! هي حاسة تختلف من مسؤول إلى آخر، بعضهم لا يريد أن يسمع إلا ما يحب فينشط من حوله في ذلك، كل بحسب جهده وقدرته على التضخيم، وبعض آخر يتحول المحيطون به إلى “فلاتر… تطوعاً”، لا يريد أحد منهم أن يكدره ويظهر “بالوجه الشين”، كل من حوله ينقل الأخبار الطيبة.. ربما يختلقها أو ينفخ في صغيرها إذا لم تتوافر… لماذا أكون النشاز الوحيد؟ هكذا يقول لنفسه من فكّر لوهلة خارج السياق.
لذلك ترى المسؤول يقرر شيئاً ولا نراه أنت وأنا قد جرى تنفيذه على أرض الواقع، ربما تم التنفيذ، ولكن بشكل مختلف كلياً عن الأهداف المنشودة التي ذكرت. وقد يقول المسؤول كلاماً تستغربه أنت استناداً إلى الواقع الذي تعيشه، لقد تم حصار الحواس.
والمسؤول يختار المحيطين به. إنه قادر على إبعاد من لا يتناغم معه، معلوم أن هناك كثيراً من “اللزقات” التي يصعب إبعادها، إلا أنه على أقل تقدير يمكن للمسؤول التقليل من التأثير السلبي لمن حوله… على عمله وحاجات من يخدمهم هذا العمل. إنه يستطيع فتح نوافذ أخرى تمكنه من شم الهواء الذي يحيط بالناس، هذا إذا أراد أن يرى ما يراه الناس، ويسمع ما يسمعون، ليتبين واقع الحال على حقيقته.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط