“سائق سفري”

سائق يضع في حضنه “قدر كبسة رز”، أو “زربيان”، يأكل بالملعقة ويده اليسرى على مقود السيارة، أما مؤشر السرعة على الطبلون فيكاد ينكسر عنقه من الانعطاف إلى اليمين، وهو للأمانة من القدور الصغيرة. الصورة التي أرسلها مشكوراً الصديق “أبو جلنار” لشخص من “الجماعة”، لا يظهر وجهه، لكن الملابس تشير إلى عناية بالأناقة والنظافة، فالمناديل متوافرة وفي مكانها المناسب، تتوقف الأناقة لدى كثير منا عند حدود الملبس وربما العطر النفاذ، الأناقة تصبح مظهراً حضارياً عندما تتجاوز ذلك لتكون أناقة في التصرفات والتعامل مع الآخرين، أما الطريق فلا يتذكر إلا القليل أن له حقوقه.
والكبسة وجبة يحتاج من يتناولها إلى انصراف تام و “عزيمة”، من شروطها خلط الأرز باللحم، حتى تكون كبسة كاملة، لحمية لا نباتية، يمكن لمتناولها التحدث إن كان ثرثاراً، لكن من الصعب القيادة واكل كبسة في الوقت نفسه، حتى ولو كان بالملعقة، وأكل الكبسة بها يشير إلى الاستعجال، ربما نظافة لدى البعض! وأكلها أيضاً يحتاج لأن “تتورض”، أي تجلس متربعاً على الأرض، لا طعم للكبسة على الكراسي والطاولات، لكنه “سفري” والسائق مسافر والدليل مؤشر “الطبلون”، وهي صورة من “ألبوم” “فن” القيادة على طريقتنا، وأخبرني مدير مرور الرياض العقيد عبدالرحمن المقبل أنهم يكتشفون عند مباشرة بعض الحوادث المروعة سائقين كانوا بصدد كتابة رسائل بالجوال ولم يكملوها، وصلت رسائلهم غير المكتملة إلى الطرف الخطأ. وهم إما ذهبوا إلى المستشفى أو إلى المقابر.
ومن المشاهد المألوفة لدى بعض السائقين، وضعهم أطفالهم الصغار حديثي الولادة في أحضانهم وهم يقودون المركبات، يتحول الطفل المسكين إلى كيس للسلامة منفوخ بالدماء، جاهز للإسهام في حماية السائق عند أول كبسة فرامل، والابن وما ملك لأبيه! ورأسه الصغير الهش تحت رحمة المقود وسرعة البابا، ومن تلك المشاهد سماح العائلات لأطفالهم الصغار بإخراج رؤوسهم من فتحات سقف السيارة أو نوافذها، وهم مسرعون حالمون، وكأنهم يقولون مادام الجسد في السيارة فالرأس سيلحق به. ويحلم الأب بالطفل، وتحمل به الأم تسعة اشهر، ويختلفان على تسميته، ثم يهمل في المركبة مثل كرة من الجلد.
واكتشفت أن الكثير منا يريد أن يعمل في لحظة أشياء عدة مجتمعة، لينعم بلحظات أطول من السكون والهواجس، لذلك يرى هؤلاء أن “الوقت” الذي يقضيه في قيادة المركبة من أوقات الفراغ التي يجب شغلها والاستفادة منها، وحكمة المستعجلين “الوقت كالسيف إن لم تقطع الإشارة قطعك!”، وبعضهم يستهلكون وقت الفراغ هذا بقراءة صحيفة أو رسائل البريد! وشاهدت سائقاً يصر على الاحتفاظ بالمسار الأيسر على رغم انه يمشي الهوينا، واستغربت عشقه لليسار، إلى أن رأيت هاتفه الجوال محشوراً في أذنه اليسرى، فعلمت انه مشغول لا يشغل.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.