لم أكن قد “ابتلعت” اسم الشارع “الذكي” الذي أطلق على احد شوارع الرياض، حتى تصادف وجودي فيه بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت أخيراً، خلال دقائق استطاع هذا الشارع الفريد من نوعه، تصريف مياه الأمطار، لم تكن هناك برك ولا مستنقعات، على رغم استمرار انهمار حبات المطر. تمكن هذا الشارع الظريف من إيقاف هواة “التطشير” عند حدهم بامتصاصه السريع للمياه، فلم يجد المصابون بداء العجلة بركة “يسبعون” بمياهها من حولهم، من ذكائه الحاد أن لديه مطبات اصطناعية جميلة، تجبر السائقين على التهدئة من دون أخطار فجائية، وضوح معالمها يتيح لك رؤيتها قبل مسافة مناسبة، ومع أن هذه المطبات على شكل حواجز أسمنتية إلا أنها لا تحجز المياه في ما بينها، هناك عدد قليل مماثل لهذه المطبات في شوارع أخرى وسط الرياض، إلا ان ما بينها يتحول إلى بحر متلاطم بفعل المطر، والفرق في مستوى ذكاء الشوارع، واكتشفت بعد غيبة عن هذا الشارع أن عيون القطط فيه تضيء من نفسها، إنها لا تنتظر أنواراً تسقط عليها لتعكسها، مثل عيون قطط الشوارع “الدلخة”… لا! بل هي أو هو مصدر الإضاءة، لأنه ذكي، وهذا من فرادة هذا الشارع العجيب، عيون القطط فيه أيضاً ملونة، بألوان كرنفالية، كأنها أحجار كهرمانية توزعت هنا وهناك، ففي حين تكون عيون القطط في الشوارع الأخرى المنخفضة الذكاء، مغمضة أو عوراء وربما “مدعوسة”، تومض لك عيون قطط الشارع الذكي حتى تعرف حدودك، كأنها تحذّرك من الدوس عليها، أليست عيوناً برموش ملونة؟ سألت نفسي أين لصوص عيون القطط عنها؟ أم أنهم يعشقون الشوارع التي لم تصل إلى هذه المرحلة من الذكاء؟ حتى أنني فكرت أن المس عيناً من عيون القطط فأصابني الخوف من صراخها، ومثلما للشارع الذكي قدرة على تصريف مياه الأمطار، لديه قدرات عجيبة في تصريف السائقين والمتجولين على كثرتهم وعودتهم للدوران، ومن سمات ذكائه العجيبة أنهم غير منفعلين كما هو معتاد منهم في شوارع أخرى، يظهر لي أن لدى هذا الشارع قدرات غير مرئية تهدهد النفوس وتنزع عنها عصبية صبغت شوارعنا، ومن ذكاء هذا الشارع الفريد أنه أجبر شركة الاتصالات السعودية على أن تقدم خدمة “الإنترنت” مجاناً، لا بد من أن لديه وسائل إقناع قوية وعميقة، لأن غالبية عملاء الشركة منذ أن كانت منفردة بالسوق يصرخون بل ويتوسلون لتحسين الخدمة وخفض كلفتها، ولم يستطيعوا ثني الشركة عن استراتيجيتها الخدماتية “التقسيطية”، لكن الشارع الذكي قام بما لم يتمكن المشتركون منه، والمشكلة أن الذكاء ليس مرضاً، وإلا لانتظرنا إصابة بقية الشوارع بالعدوى، لعلها لا تتحول إلى برك من مياه الأمطار ويعلم السائقون حدود أرصفتها “بخزة” عين قط صاحية، أو لا يكون فيها مطب أو حفرة تتحول إلى مقبرة، إلا أن الذكاء لا يعدي.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط