أسوار الفشل

قبل بدء عمليات غزو أميركا وحلفائها للعراق كتبت مقالاً أتوقع فيه أن يأتي يوم تعتذر فيه أميركا وحلفاؤها للعراقيين عن الغزو والاحتلال والفوضى، وما زلت عند توقعاتي، بل إنها وصلت للمنتصف، اعتذرت الإدارة الأميركية والبريطانية ولاحقاً الأسترالية لشعوبها عن “خطأ” غزو العراق، كل إدارة بأسلوبها الملتوي، وتم إلقاء اللائمة على “المعلومات الاستخباراتية”، ثم تمت تبرئة صدام من التعامل مع القاعدة، وهو أحد أسباب تسويغ الغزو، فأصبح العراق قاعدة للقاعدة!
سيأتي اليوم الذي يذهب فيه بوش الابن وبلير وحاشيتيهما مثلما ذهب وولفويتز مع رامسفيلد إلى غير رجعة، لتأتي إدارة جديدة ، عندها سيتم الاعتذار، لكن بعد خراب كل العراق، مهما كان حجم الاعتذار عن هذا الجرم الشنيع فلن يقدم شيئاً لمن بقي من العراقيين سالماً.
هناك أمر غريب في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، لقد أعلن عن خطأ الغزو، وبأكثر من صيغة وعلى لسان أكثر من مسؤول، إلا أن الممارسات الخاطئة تستمر بوتيرة متصاعدة، وهو ما يبعث على الدهشة، بما يجعل المتابع يشك في صدقية الاعتراف بالخطأ، وأنه تم للاستهلاك المحلي مواجهة للاحتجاجات هناك، وبعد أشهر من خطة امن بغداد ثبت الفشل الأميركي بامتياز، القتلى يومياً بالمئات وأكثر من 70 في المئة من

الجرحى يلقون المصير نفسه، والإصرار على الحل العسكري قائم وصامد.
من حليفتها إسرائيل تستورد الولايات المتحدة خيار الأسوار، وجنودها في العراق يبنون الآن سوراً حول حي الأعظمية ذي الغالبية السنية، بعد التقسيم السياسي يأتي التقسيم الجغرافي، شيدت أسوار سياسية بين شرائح العراقيين، بالمحاصصة الطائفية، ونبذ المصالحة الوطنية، واختيار طبقة سياسية فاشلة، فكان أن صبغت هذه الأسوار بالدماء والأشلاء، ويتم الآن استكمال تشييد الأسوار الجغرافية، مطلوب تقسيم المواطن العراقي إلى أنصاف وأرباع وأخماس، هذا هو الحل الأميركي للأخطاء الأميركية.
في جريمة قتل 32 طالباً بريئاً في جامعة فيرجينيا طلب الرئيس الأميركي إجراء دراسة حول العنف، نسي الرئيس أن سياساته الخاطئة من المحرضات على استشراء العنف، في الخارج سياسة أميركا، وفي الداخل أفلام هوليوود، والاستغلال الإعلامي غير المسؤول للأحداث، هو لا يستطيع شيئاً أمام الأخيرة، ولا يريد القبول بالتراجع عن الاولى.
الولايات المتحدة الأميركية لا تصدر السلع والتقنية فقط، إنها أكبر مصدر للعنف، اختر أي فيلم أميركي لتتبين دروس الأشلاء وتمجيد العنف والقتل.
على إحدى القنوات الأميركية الفضائية، تم ترتيب مفاجأة لطالب صغير في المدرسة، إذ دخل عليه والده الضابط القادم “سالماً” من العراق، كانت موقوفاً مترعاً بالدموع والحنان، تذكرت أطفالاً عراقيين لن يروا أسرهم، وآباء عراقيين فقدوا أبناءهم، الأمهات العراقيات أصبحن ينافسن الأمهات الفلسطينيات في الصبر على المآسي.
أيها السيد الرئيس، هل تريد معرفة احد اكبر مصادر العنف في العالم، لا تذهب بعيداً، انه بجوارك في البيت الأبيض.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.