انحدرت التعاملات المادية بين الناس، وأصبح الوفاء من العملات الصعبة، والمزورة أيضاً، صار من الشائع أنك إذا أردت فقدان صديق أو ثقيل فأقرضه، لن يعود للاتصال بك، ولن يرد على اتصالك، وإذا طرقت الباب قامت الخادمة بمهمة التصريف، تحول القرض الحسن إلى قرض “خشن” بأطراف مدببة يخسر فيه المُقْرِض خسارة مركبة ماله وثقته في مَنْ حوله، وأصبح مَنْ يحب مساعدة الناس ويبتغي فك الكربة عن بعضهم في حال صعبة، اتضح أن أكثر الناس “للأسف” لا ينفع لهم إلا البنوك بالكفلاء وربط الرواتب والفوائد التي تضمن السداد مقدماً، أمام هذا الوضع لا يجد الصادق من المحتاجين وسيلة لقضاء حاجته سوى البنك، العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، ولا تجد أحداً أو جهة تفكر في فتح آفاق جديدة لتسهيل التعامل بين الناس، القرض الحسن الذي حث عليه المولى عز وجل في كتابه الكريم يكاد يختفي، والسبب عدم الوفاء، وعدم إيجاد آلية تضمن حقوق الناس، ولو سألتَ مَنْ حولك لوجدت كثيراً منهم يطلب “فلاناً وعلاناً” فانقطعت العلاقات وربما الرحم بعد أن أنهكته المطالبة والملاحقة من دون فائدة، أصبح الشك والحذر هو المسيطر بين أفراد المجتمع، وإذا قال لك أحدهم: “أبيك في كلمة راس” تصاب بالتوتر، ربما هو يريد سلفة، وتعلم أنك ستخسر المال والرفقة، أما غالبية المقترضين بهذا الأسلوب فهم يرون أن مَنْ أقرضهم لا يحتاج إلى المال وإلا لما بذله! فإذا كانت الأحوال جيدة قالوا إنهم يستثمرون فانتظر قليلاً، وإذا ساءت وهو الأعم المعلن، أخبروك بعد عناء أنهم “مفلسون” فهل لديك قرض آخر؟
هذه الشحنة أفرغها في رَأْسي أحد الأصدقاء، وهي ليست بالأمر الجديد، الثقة بين الناس في انحدار. كتبت مراراً عن ذلك، إلا أنه شجعني على الكتابة مرة أخرى، لأنه أورد فكرة جميلة، قبل أن أستعرض الفكرة أشير إلى حكمة على شكل نكتة، أسترجعها كلما طرح هذا الموضوع، وأعيد ذكرها لتعميم فائدة مختلفة عن فوائد البنوك.
طلب الإبن من أبيه مبلغاً من المال ليقرضه لصديق له، تفحص الأب الخبير وجه ابنه، وسأله هل تعرفه حق المعرفة هل سيرد القرض؟ أجاب الابن: “صديقي من أيام المتوسطة”. قام الأب بإحالة ابنه إلى شريكه في المؤسسة ليتسلم المبلغ المطلوب، ابتسم الشريك في وجه الابن واشترط أن يحضر صديقه ويقبل يديه قبل تسليمه المبلغ. غضب الابن انتصاراً لكرامة الصديق وسأل لماذا، رد الشريك ببرود قائلاً: إننا سنضطر في المستقبل إلى تقبيل رجليه لعله يسدد… أكمل غداً بعون الله تعالى.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط