الناطق الرسمي

نجاح  بعض الأجهزة الأمنية السعودية في تطوير التعامل مع وسائل الإعلام والمجتمع من خلال استحداث وظيفة الناطق الرسمي، نجاح واضح ولافت، إذ أسهم هذا التنظيم في سرعة الحصول على المعلومة أو التأكد من صحتها. ولو تمت مقارنة هذا الوضع بما كان سابقاً، لرأينا الفرق شاسعاً، إذ تم تضييق الهوة وحصر الإشاعات إلى حد كبير، كما أسهم توسع النشر في التوعية الأمنية.
 المتحدث الرسمي، أو تكليف شخصية محددة تكون “ضابط اتصال” بين وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية كان حاجة ملحة للإعلاميين الصحافيين بشكل خاص، ومن ثم القنوات الفضائية بعد تكاثرها واهتمامها بالشأن السعودي، ومع قضايا الإرهاب زادت الحاجة، حتى  طالب الصحافيون والكُتَّاب بمثل ذلك إلى أن تم. ومن الواضح أن الأجهزة الأمنية، خصوصاً الشرطة، طبقت هذا التطوير بصورة جيدة مقارنة بغيرها من أجهزة أمنية وخدمية أخرى. والتجربة الماثلة أمامنا تجربة ناجحة، ولزيادة فاعليتها هي بحاجة إلى تعميم وتطوير نوعي. من زاوية التعميم هناك جهات لديها مسؤوليات أمنية متعددة تحتاج الصحافة للاتصال بها،  لم يتم تحديد متحدث رسمي لها حتى الآن، مثل “الجوازات” و “حرس الحدود”.
أما الجهات الحكومية الأخرى التي لم تستفد من هذه التجربة، ولا تزال العلاقة بينها ووسائل الإعلام بطيئة وبيروقراطية، والمعلومات عنها ناقصة، فهي متعددة، وعلى رأسها وزارة العدل وهيئة التحقيق والادعاء، مع أن الحاجة ماسة لأن تكون هذه الجهات في صدارة التجربة وأول من يطبقها. وعلى رغم مطالبات بذلك إلا أن عدم التفاعل من هذه الجهات هو الرد الوحيد. عدم التفاعل  مع وسائل الإعلام يعني عدم التفاعل مع المجتمع!
من الناحية النوعية فإن اختيار شخصية المتحدث الرسمي لا بد أن يكون دقيقاً للغاية، لأنها بحاجة إلى مواصفات خاصة، ولدينا نموذج ناجح، “هاتفه مفتوح”، لا يكل ولا يمل من الرد على “غثا” الصحافيين، وهو اللواء منصور التركي. عمل الصحافة والإعلام لا يرتبط بدوام محدد في ساعات معينة، مثله مثل الأخبار التي يلاحقونها، والإشاعات التي يبحثون عن نفي أو تأكيد أو توضيح لتفاصيلها، من هنا فإن وظيفة المتحدث الرسمي ليست وظيفة عادية تنتهي بانتهاء الدوام الرسمي. هي جهاد مستمر، وضغوط تشابه الضغوط التي يعاني منها الصحافي، لذلك من المهم أن تكون شخصية المتحدث الرسمي متفهمة لطبيعة مهنة المتعاملين معه من الصحافيين، وإلحاح الوقت عليهم. هم في النهاية يقدمون خدمة للجهاز الذي يعمل فيه المتحدث الرسمي، وللجمهور الذي ينتظر الصحيفة كل صباح.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.