في النكران

في مقابل نكران الذات هناك نكران الجميل، وكأنهما مخلوقان يغذي أحدهما الآخر، ربما يسأل القارئ كيف؟ وقبل محاول الاجتهاد في الإجابة لابد من التذكير بأن الكثير منا ردد في يوم من الأيام قول الشاعر: “ومن يصنع المعروف في غير أهله”، ومعلوم لديك ماذا سيلاقي من النكران والجحود وعض الأيادي التي مدت له يد المساعدة، وربما النجدة ومحاولة الإجابة على السؤال تنحصر في أن غالبية من يصادف نكران الجميل، هم ممن ينكرون ذواتهم، اما في تلك اللحظة أو هي عادة متأصلة لديهم، ولأن الطبع يغلب التطبع، فهم مهما حاولوا تغيير الطبع لا ينجحون، لذلك يستمرون في الشكوى من “فلان وفلتان”، وربما يضيفون “اتق شر من أحسنت إليه”. وهو يبرز زاوية تحتاج إلى وقفة أخرى، ومما وصلني عندما نشرت قبل فترة مقالات بعنوان “اضحك على البنوك”، آهات قراء وقارئات تتمحور حول نكران الجميل، وأوردت في نهاية الجزء الثاني من “اضحك على البنوك” تساؤلاً عن سبب جحود من تنصحه بنصيحة تغير أحواله إلى الأفضل، والذي يظهر لي أن هذا النوع من الجاحدين للجميل يمتطون صهوة النكران، هرباً من شقٍّ ساعدهم صديقٌ على رتقه، فكلما رأوا هذا الصديق تذكروا الشق، وكلما وقعت أعينهم على عينيه توقعوا أن خلجاتها تذكرهم بذلك الشق، ولو شاهدوه يهمس في أذن احدهم لما شكّوا لحظة واحدة أنه يذكر تفاصيل الشق الذي اكتشفه وطوله وعرضه، من هنا هم يهربون منه، فلا يردون على اتصال له وربما لا يردون السلام.
أما إذا تسببت نصيحة صاحب الجميل في تغيير أحوال المنصوح إلى الأسوأ، فلا شك أن الأخير سينتصب أمام باب منزله حاملاً على ظهره أكياس اللوم، فلا يعود يهنأ لصاحبنا نوم، بل ربما يتعرض لك بما يسوؤك وسط كل جماعة، وهذه الدرجة من نكران الجميل هي المستوى الأدنى من سوء الخاتمة التي يتمتع بها البعض.
وعندما يصنع الإنسان جميلاً في أحد ما يجب ألا ينتظر حتى الشكر، ذلك حتى لا يصاب بصدمة، فعندما تخفف من توقعاتك الايجابية يسهل عليك تحمل الصدمات، من هنا نستوعب مغزى وجوهر الحكمة التي تنصح بفعل الخير ورميه في البحر، فللبحر رب كريم يحصي كل شيء، ومهما كان البحر عميقاً واسعاً، فإن ما رميته فيه من الخير لن يضيع، بل عليك التفكير في جميل آخر، ولكن لشخص آخر، عندها ربما تكتشف أن الدنيا ما زالت بخير، وأن الأوفياء لم ينقرضوا حتى الآن.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.