اللهم لا حسد

يعلم الله أني كررتها ثلاث مرات، اللهم لا حسد، بل غبطة، والغبطة مشروعة، فهي رغبة في نيل نجاح لشخص من دون تمني زوال النعمة عنه، أما الحسد ففيه تمني لزوال نعمة المحسود والعياذ بالله في صورة مكبرة دقيقة من صور ضيق العين والقلب، أما من الذين أقول في شأنهم اللهم لا حسد، فهم زملاء من الكُتاب في بعض الصحف السعودية لا يحرصون سوى على نقاش وطرح شؤون خارجية، يفضل دائماً أن تكون أبعد ما يمكن عن المكان الذي يعيشون فيه أو يعيشون منه، مواضيع وقضايا كثيرة يتناولونها أحياناً مع نشر الصورة الشخصية، وأحياناً أخرى من دون، قضايا مثل مستقبل علاقة تايوان بالصين الشعبية، ونظام الدرع الصاروخية وأثره في أمن روسيا ودول آسيا الوسطى والعالم، أو ملاسنات جورج بوش مع نوري المالكي، وهل يحق للأخير رفع صوته في وجه من أتى به حفاظاً على الجميل، وغيرها من عناوين تكفي لمقال كامل.
ولا تأتي هذه الاهتمامات، بعيدة المدى، مرة أو مرتين كل فترة لتكون طبيعية ومفهومة فرضتها أحداث موقتة، بل هي الخط الثابت لكتابات هؤلاء الزملاء منذ أن امتشقوا صهوة الكتابة، ولا توجد استثناءات لها إلا نادرة لتثبت القاعدة.
وغبطتي لهم ناشئة من رغبة في أن اكتب مثلهم عن البعيد هناك، الذي لن يقرأ أو “يجيب خبر” عما اكتب، وبالتالي لن يتأثر، والقريب الذي سيعتبرني مثقفاً وكاتباً مميزاً ومطلعاً على الشؤون الدولية، وربما خبيراً فيها تجدر استشارته.
وفكرت في هؤلاء الزملاء الأعزاء وكيف يكتبون، حتى أني ظننت أنهم قبل الكتابة يمسكون بمنظار مقرب بالمقلوب، أو أن جدران مكاتبهم تحتلها شاشات فضائية تم، بالقفل تحديد قنوات أجنبية لا غير للبث على سطحها، مع أن بعضاً من هؤلاء الزملاء يسلكون الطرق ذاتها التي نسلكها في البلاد نفسها ومحيطها أو هم ترعرعوا حواليها، بل ربما يقابلون الناس أنفسهم الذين نقابلهم أو أبناء عمومتهم! ويمرون كل يوم بالقضايا ذاتها التي يمر بها جميع أهاليهم، ويتسوقون من الأسواق نفسها، وقد يتصفحون كل صباح الصحف التي نتصفحها، إلا أن لديهم القدرة على الكتابة عن البعيد فقط لا غير، ثابتون هم على الكتابة بعيدة المدى.
ليتك تخبرني “وش يأكلون” حتى تمكنوا من الوصول لهذه الدرجة من الصمود الناجح، لست أدري لهذا قلت اللهم لا حسد.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.