ضعف الرد العربي

تحرص بعض القنوات الإخبارية الأميركية في آخر بعض نشراتها على عرض تحقيقات تلفزيونية “إنسانية”، تتلخص حول مفاجآت حلوة لأطفال أميركان وهم على مقاعد الدراسة، في غفلة من الأطفال يدخل والدهم الجندي أو الضابط بلباسه العسكري قادماً من العراق بالسلامة، من المطار إلى المدرسة مباشرة، وتركز الكاميرات والتعليقات على تلك اللحظات الإنسانية مع بكاء الفرح ودموعه المتناثرة، والحقيقة أنني أتفاعل مع تلك اللحظات… للحظة… ثم يبرز سؤال كبير ضخم يقول: وماذا عن أطفال العراق الذين لا يملكون حتى أمل انتظار عودة آبائهم وأمهاتهم؟ بل منهم من رأى مصرع أحدهما أمام ناظريه بأيدي أولئك، ومنهم من قُتل معهما. أطرح السؤال مراراً: لماذا تكون الإنسانية منحازة عوراء بهذه الصورة؟ فهل تم تقسيم البشر إلى درجات، الإنسان غربي، وما تحت الإنسان… عربي؟ وهل مشاعر الأطفال تختلف من عرق إلى آخر ومن جنسية إلى أخرى؟ هؤلاء الجنود والضباط الأميركان الذين يعودون عودة نهائية إلى ديارهم أو في إجازة قصيرة، يحتضنون أبناءهم وزوجاتهم فرحين أمام كاميرات القنوات الفضائية التي تنتقي ما تبث، ماذا فعلوا ويفعلون يا ترى في العراق؟ وكم طفلاً يتّموا وأباً قتلوا فلذة كبده وامرأة ترملت على أيديهم، وهم محصنون من الملاحقة الدولية؟ سُلّم إنسان العراق ومقدراته إلى أيدي الدبابات الأميركية البريطانية، وفرق المرتزقة الذين استقدموا من كل حدب وصوب، تم تجميعهم للقتل واستباحة بلد واحد جرى تقسيم سكانه، ويجري تقسيمه جغرافياً الآن، قبل القرارات بالأسوار التي تفصل بين أحياء بغداد، كل هذا تم ويتم بموافقة وخنوع من سياسيين عراقيين لا يرون إلا مصالح أحزابهم الضيقة، يلحسون تصريحاتهم كل يوم على رغم أنها كل ما يملكون أمام جبروت السيد المحتل، لكنها الصفقة التي أتت بهم، ما كان لهم أن يكونوا على سُدّة الحكم لولا هذا المحتل. العراق الدموي المقسّم هو صناعة أميركية بامتياز، وهو نتيجة لتخبط سياستها الخارجية هي وحلفائها، ولا يبدو في الأفق تغير جوهري يذكر. ذهبت جنات اليابان وألمانيا الموعودة، تبدلت إلى جحيم دجلة والفرات، وقتل الإنسان قبل أن يحصل على حد أدنى من حقوقه، وثبت أن أسلحة الدمار الشامل جاء بها المحتل وأعوانه المعلنون والمتخفون، ويجرى العمل للتقسيم وتجذير الحرب الأهلية والعرب صامتون، إن مستوى الرد العربي الضعيف على إعلان تقسيم العراق ينذر بأخطار جسام تطاولهم جميعاً.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.