بين مدريد والخريف

لم يحصل العرب على شيء يذكر من مؤتمر مدريد للسلام، مع أن المعطيات في ذلك الوقت كانت أفضل كثيراً من الوقت الراهن. كانت صورة الولايات المتحدة الأميركية أحسن بمراحل من صورتها الحالية. خرج الجميع بعد أن تم إصلاح الخطأ الجسيم الذي ارتكبه صدام حسين بغزوه واحتلاله الكويت، مع أن الثمن باهظ لإصلاح تلك الكارثة، سياسياً واقتصادياً على دول المنطقة، خصوصاً الدول الخليجية، وفي مقدمها السعودية. وتحقق هذا بإرادة  عربية – دولية من الصعوبة أن تتكرر، قيادة جورج بوش الأب للولايات المتحدة لا تقارن على الإطلاق بقيادة ابنه، الصورة عن أميركا وسياستها انقلبت جذرياً. كانت هناك نيات وآمال وأحلام، ولو ظاهرياً، للعمل على حل القضية الفلسطينية، التي تُستخدم دائماً عباءة لتحقيق المطامع السياسية، والعرب كانوا أكثر مقاطعة منهم الآن لإسرائيل، وهي في ذلك الوقت – نظرياً – محشورة في زاوية ضيقة، لكن مؤتمر مدريد تحوّل إلى احتفالية إعلامية أكثر منها سياسية، وما زالت الذاكرة تحتفظ بالتراشق الإعلامي الذي تم في المؤتمرات الصحافية بين وزير الخارجية السوري آنذاك ورئيس الوفد الصهيوني، ورفض أعضاء من الوفد الأخير حضور الجلسات، لأن أفراداً من الوفد الفلسطيني كانوا يعتمرون الشماغ! وسط هذه الاحتفالية العالمية انسل اتفاق أوسلو من تحت الطاولة وكان ما كان. سلطة فلسطينية عاجزة، على رقعة صغيرة من الأرض، تتحكم بها سلطات الاحتلال، والقتل والخنق الاقتصادي والسياسي مستمر مع استشراء

الاستيطان. والحقيقة أن الدولة الصهيونية لا تريد سلاماً، لأنها لا تعيش سوى على الدماء والغطرسة وفرض الأمر الواقع، أصبحت السلطة الفلسطينية أكثر المطبعين مع السلطة المحتلة. من المفارقات أن الذي قاد اتفاق اوسلو يقود السلطة الفلسطينية حالياً. وقتها – أيام مدريد – كان الإعلام الإسرائيلي مستميتاً في اختراق جدار الرفض العربي الإعلامي، انظر إلى واقع الإعلام العربي الفضائي خصوصاً، الآن وكيف أصبحت لإسرائيل وجهة نظر وتبرير يجرى تسويقهما كل يوم.
إذا كانت الظروف العالمية والعربية التي أحاطت بمؤتمر مدريد أفضل نسبياً من أوضاعها الآن، مقارنة بوضع الدولة الصهيونية، ولم يتحقق شيء يذكر بعد عقد ونصف العقد، فهل يمكن التفاؤل بمؤتمر الخريف، وبجهود سياسية يقودها جورج بوش الابن وكوارثها التي حلت بأفغانستان والعراق شاهدة؟ وإسرائيل أكثر قوة وعنجهية، والعرب أكثر تفككاً وعجزاً، والفلسطينيون أكثر انقساماً؟ إن من أسهل الأمور أن تتوقع مطمئناً أنه لن يحدث انفراج يذكر. هي فقاعة إعلامية سياسية في أحسن الأحوال… من هنا يجب الاستفادة من تجربة مدريد/أوسلو، والإصرار على خطوط واضحة المعالم. وعلى السلطة الفلسطينية أن تكون واضحة الأهداف. اوسلو ما زال ماثلاً أمامنا، لأن في عقد المؤتمر بحد ذاته زخماً سياسياً غير مستحق، لإدارة أثبتت الأحداث في العراق وفلسطين وأفغانستان عدم أهليتها لتحقيق السلام.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.