“السرية” و “الحرية”

لن أستعجل في طرح رأيي حول ما كتبه عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الطويرقي في صحيفة “الوطن”، وهو رأي طالب بمحاسبة الإعلاميين لتعرضهم لمجلس الشورى، السبب أن رؤيته تُنشر على حلقات أنتظر استكمالها. إلا أن لي رأياً يتناول زاوية أخرى كشفت عنها تلك المقالات، وما سبقها من مطالبات عضو آخر، وهو رد فضيلة رئيس مجلس الشورى بقوله إن حرية النقد من حق الصحافة والإعلام. الرد أعجب الكثيرين، والموقِّع أدناه واحد منهم، إلا أن ابتهاجي بهذا الرد شابته شائبة، إذ برز سؤال في حجم مبنى المجلس المهيب يقول: كيف يمكن للصحافة أن تمارس هذا الحق في النقد مع الإصرار على سرية جلسات مهمة في المجلس الموقر… جلسات تناقش قضايا الرأي العام؟ أجد هنا تناقضاً واضحاً، لو أن تلك السرية فرضتها قضايا يكشف نقاشها في المجلس عن معلومات حساسة تخص الأمن الوطني لفهمت واقتنعت، لكن إذا كانت السرية قد تضر وتتستر على الاعوجاج، كما في حالة طازجة مثل تقرير لجنة نفوق الإبل، فهو أمر يبعث على الدهشة، فلماذا لا تتاح كل المعلومات للإعلام بشفافية ليمارس دوره البناء؟ لماذا تترك الصحافة للاجتهادات، وربما الإشاعات، في حين أن المعلومات متوافرة لدى جهاز رقابي مهمته الأولى التحقيق، وهو جهاز يتوقع منه الجميع الكثير؟
دائماً ما يطلب من الكتّاب والصحافيين الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية، وهو أمر حيوي لتوثيق المعلومة، هذه المطالبة لا يمكن فهمها إذا كانت المصادر الرسمية لا تتيح المعلومات للصحافة بشفافية، أو إذا كان بعض المسؤولين فيها عند اجتماع عام لدرس قضية رأي عام وصل إلى الخيام، أول ما يطلبون هو مغادرة الصحافيين المكان! من دون احترام لهم ولمهنتهم… كأنهم وباء مُعْدٍ، غير مرغوب فيه إلا للتصوير.
تشديد الحرص المعلن على حرية الصحافة في النقد لا يستقيم مع كتم المعلومات وجلسات النقاش. لا أشك لحظة في أن أعمال مجلس الشورى الموقر تهدف للإصلاح والرقي والتطوير، إلا أن العبرة بما ينفع الناس على ارض الواقع، إذا نظرت وتفحصت أسلوب تعامل مجلس الشورى مع ملف نفوق الإبل يصيبك الامتعاض، بل لا تتفاءل بسرعة معالجة الأخطاء، يندفع تفكيرك إلى الطحين والجريش! من الحق أن يقدر للمجلس مبادرته إلى تشكيل لجنة للدراسة، إلا أن نتائج اللجنة وأسلوب عملها مقدم على مجرد التشكيل وإبداء الاهتمام، الأمل ألا ينصاع المجلس الموقر لرغبة بعض المسؤولين في السرية، لأنها تتعارض مع الحرية، فلا تسمح للصحافة بممارسة دورها. ربما هذا من أسباب دوراننا في حلقة مفرغة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.