أنفلونزا “الشفاحة”

ظبي مسكين دفعه سوء حظه العاثر للخروج في منطقة بين “المجمعة وحرمة”، على بعد 200 كيلومتر من الرياض، ظهور ظبي في أرض انقرضت منها الظباء حتى من محميات طبيعية، كان خروجاً على المألوف والنص والعرف وربما العادات! فانطلقت 20 سيارة ودراجة نارية في اثره، في مطاردة مثيرة هي الأفضل للإثارة من مشاهد إطلاق الرصاص في وجوه المشاهدين التي تحفل بها بعض الفضائيات.
لا يعرف حتى الآن سبب خروج 20 شخصاً أو أكثر من مواطنين وغيرهم، يقودون مركباتهم “ودباباتهم” لمطاردة ظبي مسكين غريب تائه وحيد. شبه المؤكد انه ليست من الأسباب حماية الظبي التائه من الخطر والحفاظ على حياته… النتيجة هي الحكم، قُتل الظبي دهساً، من الواضح أن بيننا وبين الرفق بالحيوان مشواراً طويلاً… على رغم الهرة التي أًدْخلت امرأة النار، والكلب الذي ادخل رجلاً الجنة، فهذه الأدلة على أسس الرفق بالحيوان والعناية به في العقيدة التي يتحدث الكثير عن التمسك بأهدابها تغيب عن بصيرة بعضهم إذا ما وقعت عيناه على ضب أو ظبي أو حبارى، لكن الأكثر إثارة من المطاردة الدموية سؤال عن ماهية هذا الجوع والعطش الذي يدفع بـ 20 شخصاً أو أكثر لملاحقة ظبي تائه، هل تحرش المسكين بأحد أم أنه متسلل قُبض عليه بالجرم المشهود؟ بل كأنه لص سيارات ومنازل يعمل في وضح النهار!
تخيل لو أن لهذا الظبي القتيل حظاً أوفر فخرج عن النص إلى الطريق في بلاد أخرى… هناك في البعيد، من تلك التي يحرص البعض على ذم مجتمعاتها، تخيل مصيره، هل سيلقى حتفه دهساً متخبطاً بدمائه فيقال انه في اللحظة المناسبة تمت “تذكيته”؟
هل هو جوع للحوم حمراء، لا قطعاً فمنها الكثير مما تنوء به المزابل يومياً، لكنها “الشفاحة”، بعض منا مصابون بأنفلونزا “الشفاحة”، تعوّد أمثال هؤلاء على أن الأرض ساكنة ميتة، “مثل راحة اليد” لا يدب على سطحها سواهم، وإذا ما علموا أن هناك من يسكن تحتها حفروا جحره!
ماذا يستفاد من هذه الحادثة؟ ولماذا مقال مثل هذا في الانتصار لظبي قتيل؟ مع قناعة بانه ظبي منزلي خرج من استراحة أو حوش لأحدهم.
الحقيقة انه مؤشر مرتفع “نسب متتالية” يشير باصبعه إلى أن كل جهود الحماية الفطرية وإنشاء المحميات وغرس الوعي بمفهوم الحياة الفطرية، و “عش ودع المخلوقات الأخرى تعيش”، تبخر وتلاشى عند ظهور أول ظبي في الشارع، فهل هناك من ينقذنا بمصل ناجع لداء أنفلونزا “الشفاحة”؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.