عالم من دون نفط

المشهد في سوق النفط العالمية يعطي انطباعاً للوهلة الأولى بأن الدول المنتجة مستفيدة من ارتفاع الأسعار. القراءة السطحية تقدم هذا الانطباع، والدليل أسعار اليوم مقارنة بأسعار ما قبل أشهر قليلة، ولا أحد ينظر إلى الفاتورة المتصاعدة، التي تدفعها الدول المنتجة لكل ما تستورد من الدول الكبرى، واستنزاف مخزون ناضب.
لكن الخافي أعظم. لقد سعت الدول الكبرى المستهلكة للنفط منذ زمن بعيد، للاستغناء عنه وعن مصادره التي لا تمتلكها، وتم ذلك في أكثر من اتجاه، أبرزها البحث عن بدائل، حتى الآن فشلت البحوث في إيجاد بديل منافس، السبب هو سعر النفط المنخفض، بل إن بعض البدائل النباتية، أسهم في أزمة الغذاء العالمية، وأسهمت الدول الكبرى في مجاعة العالم.
ارتفاع أسعار النفط سيتيح مجالاً للبدائل المرتفعة الكلفة، وسيسهم في تحقيق الجدوى الاقتصادية لحقول نفط ذات كلفة استخراج وتكرير مرتفعة في الدول المستهلكة الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة.
ترفع أميركا وأصدقاؤها الصناعيون الكبار الصوت ضد المنتجين للنفط. معظم المنتجين هم من دول العالم الثالث، وفي الغالب الأعم لا يملكون سوى هذا المصدر الوحيد للدخل والحياة، في حين يستوردون كل شيء تقريباً، والشريك التجاري الأول هو إما الولايات المتحدة أو زملاؤها في نادي الكبار. لكن هل خفّض من يرفع صوته الضرائب، مثلاً، على المستهلك الأميركي لمشتقات النفط، من البنزين ووقود التدفئة؟ ما زال المستهلك هناك يدفع ثلاثة أرباع الفاتورة لمصلحة الضرائب في بلاده.
أما الدول المنتجة، فتدفع أضعافاً للغذاء والدواء وسلع أخرى، بما فيها الأسلحة، فإذا نظرنا الى مشكلة الانبعاث الحراري، نجد أن أكبر من يصدره ويرفع حرارة الأرض وتلوثها هي مصانع قائمة في أميركا وأوروبا واليابان، فلماذا يطلب من منتجي النفط دفع هذه الفاتورة؟
إن السياسات الخارجية لإدارة جورج بوش وتحكّم المحافظين الجدد فيه، أدت إلى اضطرابات أقسى حدة في العالم، وسيغادر بوش البيت الأبيض والعالم أكثر سوءاً وغلاء وجوعاً، إنه انجازه الذي سيحفظه العالم.
لقد علّمنا التاريخ أن الانصياع لرغبات الكبار لا يزيدهم إلا سعاراً، ومطالبة الدول المنتجة بدفع أموال، يقال زوراً وبهتاناً إنها للتخفيف عن الدول الفقيرة، أو لمواجهة الانبعاث الحراري، لا يصح القبول بها فلا يعقل أن يقترفوا الأخطاء ويدفع الصغار الكلفة.
ماذا سنفعل نحن؟ لنتخيل أن النفط أصبح سلعة عادية فمن سيشتريه؟ وكيف سنحافظ على حياتنا وأجيالنا المقبلة؟ على الدول المنتجة أن تفكر جدياً في عالم من دون نفط، أو في نفط لا يجد زبوناً. التفكير في مصالحنا ومستقبلنا أهم من إقناع من لا يريد بأن يقتنع بحسن النوايا.

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.