قرون استشعار مجانية

أتاحت خدمة الانترنت تواصلاً أسرع وأكثر فاعلية. ولو خصص المسؤول عن خدمات عامة موظفاً في مكتبه للبريد الالكتروني لربما اكتشف كثيراً من الخلل في إدارات يشرف عليها ويقول من يديرها إن الأمور تمام. ربما دفعه هذا «الاكتشاف» لأن يصحح أوضاعاً سلبية ويقلل عدد خطوات مراجعة لا فائدة منها. يصلني كثير من الرسائل من الشكاوى إلى الاقتراحات وبينها من يتطوع بمعلومات تهم جهة ما. لو كان هناك بريد معلن اتضحت الجدية في الاطلاع على ما يصله والاهتمام به مع إعلانه للعامة لكان أجدى. ملاحظات الناس، سواء المخدومون من مراجعين أو حتى غيرهم تفتح آفاقاً لأفكار جديدة وتسهم في الحد من الصدأ وكسر أسوار الجمود.
الملاحظ مما ينشر في الإعلام أو يصدر في أحاديث خاصة لبعض المسؤولين عند التعليق على مقال أو رأي مطروح أنهم على علم بالكثير مما يقع، ولديهم وجهات نظر يمكن نقاشها للوصول إلى حلول، إلا أنها لا تظهر للناس إما لكثرة المشاغل اليومية أو لعدم القدرة على ترجمتها إعلامياً من المساعدين. هذا التفهم أو الإدراك لا ترى مثله في الإدارة الوسطى والتنفيذية، لذلك تنتهي تعاميم بإصلاح وسد ثغرة ما أو تسهيل إجراء… تتلاشى أمام ما تعوّد عليه الموظف التنفيذي.
وكنا نشكو سابقاً من عدم توافر مسوحات لمعرفة اتجاهات الرأي العام الداخلي، كانت صناديق الاقتراحات والملاحظات هي الوسيلة الوحيدة مع غبار متراكم على سطوحها، أما الآن ومع وسائل الاتصال السريعة وعلى رأسها الانترنت، أصبح بإمكان كل جهة أن تعرف وتعلم الرأي في خدماتها، وبين الرسائل الساخطة والحانقة وتلك التي تصنف على أنها كيدية وربما تكون، سيجد المهتم رسائل تحمل أفكاراً جديدة تنبه، وملاحظات قيمة يمكن العمل بها.
هذا في الخاص، أي الآراء والانطباعات على خدمات معينة تقوم بها جهة محددة. أما على المستوى العام فإن قراءة وتفحص تعليقات القراء على المقالات والأخبار الصحافية التي تتيح بعضاً منها مواقع الصحف  توفر فرصة كبيرة لمعرفة أوجه الخلل وما يشغل الناس. الاهتمام بهذا بالعمل على إيجاد حلول ومبادرات ملموسة تشعر الرأي العام بصدى ما يعتمر في خاطره ويشكل مزاجه، يقطع الطريق على من يريد استغلال ذلك بصورة سلبية. أصبحت قرون الاستشعار متوافرة ومجانية أيضاً. ما ينقص هو استثمار أمين «لا متصيد» لها يكون هدفه الكبير المصلحة العامة.

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.