تسونامي… من مالي إلى سياسي

إذا بحثت عن النواة السبب لما حصل في أسواق المال العالمية، لن تجد سوى الفساد وانعدام الأمانة عنواناً كبيراً يحتوي على ما أنبتت هذه البذرة من كوارث، ولم يكن لهذا الفساد وقلة الأمانة أن يفعلا كل هذه الحرائق إلا بتوافر مناخ تستر و»تمصلح» من دوائر مؤتمنة على المصلحة العامة  هناك في أميركا، وأدى التستر إلى مزيد من التستر والترحيل إلى المستقبل، كبرت الأزمة لتتحول إلى كارثة، حتى يتوقع أن تنتج منها في الحد الأدنى حصارات اقتصادية وفي الحد الأعلى حروب (بريطانيا – ايسلندا نموذجاً)، وقديماً قيل «ما دون الحلق إلا اليدان».
دول كثيرة الآن في وضع لا تحسد عليه بما فيها دول لها قوتها العسكرية، وما الذي يمنع؟ ما كان أكثر المتشائمين لا يجرؤ على توقعه… حصل، بورصات العالم تحولت إلى ما يشبه دور سينما  تعرض فيلم رعب وحيداً… فارقه عن أفلام تحكمهما الحبكة والخيال، أن الأبطال والضحايا هم بعينهم المشاهدون.
وثبت أن الحصون التي شيدت عليها أسوار، ولا يجوز المساس بها فحصاً شفافاً معلناً من شركات استثمارية ومصرفية وتأمين ومحاسبة…  لم تكن جدرانها المنيعة سوى سراب، لم يستفد منه إلا قلة قليلة من الإدارة بالمداخيل الضخمة. وإذا نظرت إلى مداخيل وعلاوات الطبقة العليا في إدارة المصارف والشركات التي أفلست وسحبت العالم على وجهه تعلم أنهم كانوا يتسترون على أوضاع كارثية حماية لمصالحهم الشخصية.
ولعل من المضحك المبكي، أن الذين كانوا يشتكون من ندرة الكفاءات المصرفية والاستثمارية عالمياً سيجدون أمامهم الآن معروضاً عشرات الآلاف من تلك الكفاءات المسرحة بفعل الإفلاسات والتأميم، هذا إذا توافرت وظائف لديهم.
إذا تفحصت ما حصل في مصدر النظم والأساليب الاستثمارية «أميركا وأوروبا»، مع ما فيها من نظم وقوانين رقابية يمكن لك تخيل ما سيحصل لدى من استنسخ تلك النظم واعتمد على عينة من تلك «الكفاءات».
فيروس نقص المناعة أصاب النظام المالي العالمي، تحولت العولمة وشركاتها متعددة الجنسية قنوات يهدر من خلالها التسونامي وزاد من تعميق الكارثة التوجيه والإلحاح غير الرشيد إلى الخصخصة.
لكن أصل الآفة هو انعدام الأمانة والتستر المتراكم عليه على رغم حديث منذ سنوات عالمياً تركز على الشفافية لكن ما كل ما يقال يعني مضمون القول، تستخدم الكلمات الطنانة مثل الشفافية والديموقراطية للاستهلاك والتجمل.
ومع أن الجميع رأى قطاراً مسرعاً من دون كوابح متجهاً نحوهم إلا أن بعضهم أصر ويصر على الوقوف أمامه… مكابرة أو جهلاً في أحسن الأحوال.
ولو كان هناك مجال لاقتراح لدول الخليج العربية لكان الأولى الاتفاق على إقفال أسواقهم مدة أسبوع على الأقل وتكثيف الحضور الإعلامي ورصد ما يحصل في أسواق العالم. كل المؤشرات تقول إن ما يحدث ليس سوى البداية… الاقتراح الجماعي ربما يرفع الحرج عن بعضهم فهناك من يقول إن إقفال السوق ليس سوى هروب، أيهما أفضل الهروب أم الوقوف أما قطار سريع يهدر… صفاراته تدوي وأنواره المنذرة أعمت البصر.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على تسونامي… من مالي إلى سياسي

  1. صلاح السعدى محمود كتب:

    حياك الله. أبو أحمد
    جميل جدآ مقال أكثر من رائع..الله يعطيك ألف عافية أستاذى الغالى . سلمت يمناك :
    نتمنا لك دائمآ دوام التوفيق والنجاح. إلى أعلى القمم..
    ودمتم لمحبينك :

  2. سليمان الذويخ كتب:

    طيب ليش ما نختصر الموضوع ونقول ان اليهود خططوا ونفذوا
    بدءا من الحروب التي ورطوا امريكا بها مرورا بالمضاربات على اسعار البترول
    واخرا وليس اخيرا … ما حدث من كوارث في اسواق المال وازمات ارهن العقاري !!

    نعم اليهود وكفانا ان نبعد الحديث عن المؤامرة فمن ينكرها غيب ومن يدافع عنها اغرب
    شكرا لك واسأل عن التعليق على الموضوع السابق :) مجرد سؤال عابر

التعليقات مغلقة.