نعيش حالة من النفاق لا يمكن أن تخطئها البصيرة، فما بين المسجد من طرف والمكتب والشارع من الطرف الآخر بون شاسع، حتى خطباء المساجد في الغالب حصروا الوعظ في العبادات وتركوا المعاملات، مع أن الوعظ لوحده لا يمكن أن يحقق تغييراً يذكر إذا لم تتضافر معه، بل تسبقه، جهود المحاسبة والمساءلة، ومع هذا لا حضور له. طرحت سؤالاً في مقال السبت الماضي عن الفارق بين «هدايا» الغرف التجارية لموظفي جهات حكومية وبين شراء بعض مرشحي انتخابات لأصوات المنتسبين، والحقيقة أن لا فرق سوى في درجة الخطورة، لأن الموظف الحكومي حارس المصلحة العامة وأمينها ويمكن لك توقع وضع المرمى في هذه الحالة، من هنا لا عجب أن المواطن يقضي جل وقته يجمع «الكور» ويعد الأهداف التي أصابت مرماه…
وجرياً على عادة بعض الجهات الحكومية قالت وزارة التجارة يوم السبت إنها «تعكف، على وضع آليات جديدة لعمليات تنظم انتخابات الغرف السعودية، على أن تستعين بجهاز المباحث، وذلك ضمن خطوات تستهدف في شكل رئيسي القضاء على بعض المظاهر السلبية التي تسيء للعمليات الانتخابية».
وأعجبني في المسألة أن الوزارة «تعكف»! ونحن نعلــم أنهـــا عكفت من زمن بعيد على نظام للغش التجاري وما زالت عاكفة، ونعلم أنها عكفت لردع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وما زالت عاكفة، ونعلم أنها عكفت منذ عقود لحماية المستهلك وما زالت عاكفة وأنشأت وكالة له هي الأخرى عاكفة، ونعلم عكوفها على إنشاء هيئة لحماية المنافسة لم يسمع لها «نفس» وما زالت عاكفة. خوفي على الوزارة من حالة العكوف المتشعبة هذه.
حقيقة المشكلة، تحديداً في ما سبق، تكمن في وزارة التجارة ولو أنها عكفت لإصلاح نفسها لكان أجدى لها ولنا. أما نشر أخبار النيات بـ «آليات جديدة» كما ذكر الخبر أو «العمل على إصدار نظام جديد» فهو التصريح المكرور الذي دائماً ما يصدر بعد ظهور «البلاوي» على السطح… هو أسفنجة الامتصاص المشبعة! وإذا أردت معرفة النتيجة المستقبلية اسأل… ماذا عملتم في الأموال التي تقدم من الغرف للوزارة، فهل ستوضع لها آليات جديدة هي الأخرى!
التجارة ليست حالة استثنائية لكنها بحكم إشرافها على القطاع التجاري ومساس هذا الأخير بمعيشة الناس واستقرارهم، مع «عكوفها» المستمر… تكون دائماً في الصدارة.
الحاجة ملحة إلى حملة صادقة لنظافة الذمة في القطاعين العام والخاص، تفشي الفساد وسوء استغلال المنصب مؤشر خطير ولا اخطر منه سوى الصمت عنه، حملة من هذا النوع لن تنجح إلا بعملية فصل للتوأمة أو هو الالتصاق والتشعلق الذي تمكن منه القطاع الخاص على كتف وظهر القطاع العام… العاكف!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط
استاذي الحبيب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
اخيرا استاذي اخيرا الحمد لله جاءت سيرة المباحث والله تمام هذا هو المطلوب . وزارة الداخلية ممثلة في جهاز المباحث هي التي ستعيد هيبة هذه العملية الديموقراطية فعلا . يااستاذ عبدالعزيز مخطط الفاسدين والمبتزين ومستغلي مناصبهم ينصب على افشال العملية بأي وسيلة لايريدون ان يكون لهذا المجتمع الا الانصياع لكل مايريدون . اتذكر مقالكم نقاط تلقي بلاغات هذه التجاوزات وبالامس هناك من طالب بأنشاء خطوط ساخنة لتلقي البلاغات او الاراء التي تشتبه في امثال هذه التجاوزات . انا اقول الان مادام الداخلية دخلت على الخط فالفاسدين
والمرتشين سيعكفون على اعادة صياغة اوراقهم وتفكيرهم واصلا لايوجد وزارة منتجة وناجحة مثل وزارة الداخلية والباقيين كلهم اصحاب تصريحات لاتسوى ثمن الحبر الذي كتب عليه في الورق .
شكرا استاذنا