الوطن بين المغذيات والآفات

لا يمكن اختزال الوطنية بشحنة عاطفية تتلاشى بعد لحظات تطول أو تقصر، صحيح أن لهذه الشحنة أهميتها لكن بقاءها متقدة وفاعلة لتتحول إلى طاقة بناءة في الاتجاه الصحيح له شروط وأسباب، يأتي ترسخ الوطنية وتجذرها في النفوس من شعور المواطن بقيمته في وطنه، إذا استقر إحساس الفرد بهذه القيمة وأنها محفوظة ومحترمة مهما كان فرداً عادياً، إذا أحس بصيانة تلك القيمة والحقوق، وأن لها هيبة بنصوص القانون وتطبيقاته، تحول إلى لبنة قوية في الكيان الكبير وأصبح الأخير مستقراً في وجدانه راسخاً لا يتزعزع، وللوطنية والانتماء في النفوس مغذيات مثلما لهما آفات ومحبطات. ونحن في يومنا الوطني بحاجة أكثر من أي يوم آخر إلى الاهتمام برعاية المغذيات وصيانتها، والتأكد من حالتها الصحية، ولا يمكن لهذا أن يتم إلا بالوقوف ضد الآفات ومحاربتها بوضوح وشفافية، وقائمة تلك الآفات طويلة إلا أن أهمها في تقديري هو الفساد وخطورة الأخير مركبة، لأن عدم مكافحته بشكل حثيث واضح للعيان مستقر في الأذهان مدعاة لارتفاع مستوياته، وتكيف معه ونتائجه معروفة لا تحتاج إلى بيان، وهو وجه من وجوه الفقر والشعور بالظلم، والوطنية كما هي مطلوبة من الفرد العادي تتلمس منه بالوفاء بالواجبات والسلوك الإيجابي البناء، أيضاً هي تتلمس من المسؤول، بأولويات الاهتمام كما بالقرارات وأمانة التنفيذ.
خذ مثلاً في رجل يشكو من علة فيذهب إلى أكثر من طبيب الأول أعطاه جرعة معنوية من الكلام الطيب و«طبطب» على كتفه قائلاً «ما فيك إلا العافية» انظر إلى نفسك ها أنت تمشي وتتحدث اذهب إلى منزلك، ولا تتأثر بكلام الناس، ولا شك أن مثل هذا الطبيب مرغوب، وحديثه مريح بل إنه حقق بعض السعادة النفسية، فرفع من حالة الرجل المعنوية وطمأنه على صحته إلى حين، أما الثاني ففحص وحلل ثم شخص ليقدم الدواء المناسب ومن الطبيعي أن يقول الطبيب الثاني كلاماً غير مريح للنفس، كأن ينصح بالحمية أو يحذر من عادة سيئة يصعب التخلص منها إلا بقوة عزيمة وإرادة.
وإذا كانت مشاهد الاحتفاء بالوطن في يومه السنوي وفعاليات تقام بالمناسبة السعيدة مع حضور جماهيري متفاعل، تبهج النفس والمشاعر وتصهر شعور الفرد بالجماعة، فإنها يجب أن لا تخفي أو تحجب التحديات والحاجات كما الإخطار المحدقة… الداخلية منها والخارجية.
هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على الوطن بين المغذيات والآفات

  1. وطني حبيبي كتب:

    في يوم الوطن .. أشعر بالحزن لعدم قدرتي على الوصول إلى منزل والدتي ومكوثي لساعات طويلة في الطريق ومن ثم عودتي من حيث أتيت .. هل السبب احتفال الجماهير أم سوء تنظيم المرور وإغلاق المنافذ..
    ولكني أعشق هذا الوطن ..

  2. نادية كتب:

    استاذ عبد العزيز
    فى راي حب الارض والتعلق بها ليس متعلق بافراد وافعالهم ولا بمعطيات ومردودات ان الوطنية حب الارض والشعور الا لا ارادى بقوةالاانتماء لها
    الافراد يتغيرون وسوء وحسن المعطيات تزول ولكن يبقى الانتماء الى الارض والمكان
    كثر من تركوا وعادوا بالرغم ان الوضع السىء ما زال قائم اعتقد العوامل النفسية للانتماء هى ما يحكمنا
    ان وجود عوائق مثل هولاء الاشخاص الغير امينين للنمو والتحسين قد ينغص على الفرد ولكن لن يؤثر فى حب المكان
    وحقيقة انا ارى ان معظم الذين يتمتعون بحصانة الحقوق ومن يحتموا وراء قوة القانون هم من قلت لديهم الوطنية ونهبوا وعاثوا وكانوا سبب فى الظلم والفساد هذا لا يعنى ان ما قلتة لنت غير صحيح
    انا لا اعرف كيف شببت ووجدت حب هذة البلد فى صدرى ولكن تاكد اننى لا اشعر بغير الظلم ولكن اعشق هذة الارض
    يسعدنى ما يسعدها ويسؤنى ما يسؤها

التعليقات مغلقة.