يدفع الإنسان المال ليشتري صحته وراحته، ويوظف الخدم من سائقين وخادمات للغرض نفسه، لكن الخدم قد يتحولون إلى مشكلة، أقول قد، وهو احتمال، وعلاقتنا بالخدم علاقة عجيبة تحوي المتناقضات، بين الإفراط والتفريط، البعض يحاول صنع أصدقاء منهم فتتكسر الحواجز ويتجاوزون أدوارهم وتنشأ المشكلات، وبعض الناس يشتريهم بمزيد من المال، فتصبح العلاقة ملبدة بسحب متناثرة من “البخشيش” المتوقع، والبعض الآخر يعتقد أنهم عبيد وأن حاجتهم للعمل تبرر له الحصول على آخر قطرة من عرقهم.
ويبدأ التعارف بين العمالة المنزلية بسؤال “كفيل كويس!؟” والإجابة تحدد مدى راحة العامل أو الخادمة، وكثير من المواطنين والمقيمين تضرروا من تصرفات بعض العمالة، إما لأنهم أصلاً غير محترفين للأعمال التي استقدموا لأجلها أو لمشكلاتهم التي تنشأ لاحقاً من سرقات وممارسة سحر وانحرافات أخرى، ومكاتب الاستقدام ملأى بكثير من القضايا، وهناك ظلم يقع غالباً على أحد أطراف العقد.
هذا هو شكل العلاقة بين مجتمع لم تستوعب الشريحة الكبرى منه أسلوب التعامل الأمثل مع العمالة المنزلية من طرف، وعمالة تدفع أموالاً في ديارها للحصول على فرصة عمل قد لا تكون قادرة على أدائها، لكنها بمثابة الحلم الجميل، والحلم دائماً يزين ويملح الصورة ويستبعد التشوهات والتوقعات السلبية.
مهما كان شكل العلاقة والنتائج منها فإنها لا تبرر الظلم إطلاقاً، في تأخير رواتب أو سوء معاملة، وتأتي حادثة الخادمة الآسيوية “نور مياتي” وما تعرضت له من التعذيب والضرب كصورة بشعة لما يحدث بين ظهرانينا، والبشاعة وحدها لا تكفي لوصف ما تعرضت له المسكينة، ونحن لا نعلم حتى الآن وجهة نظر الكفيل وزوجته، لكنها لا يمكن أن تبرر ما فعلوه بخادمتهم، فحتى لو سرقت أو اعتدت على الأبناء كل هذا لا يبرر تلك الوحشية، ولا يمكن التفكير في الانتقام من السائق أو الخادمة، وأعرف قصة لخادمة لم تستطع الصبر بعد أيام قليلة من بداية عملها وطالبت بالسفر، وقيل لها أن تنتظر إلى حين إنهاء الإجراءات، لكنها من فرط سوء التقدير وضعت مبيداً في الأكل، وسلم الله تعالى واكتشفت العائلة الأمر، فتم ترحيلها من دون أدنى ضجة. يشتري الإنسان راحته بالمال إلا أنه يقصر دون ذلك ببعض “الفراطة” وهو قادر، وقد يضع رأسه برأس العامل لديه، بدلاً من أن يكون كريماً مسامحاً، حامداً الله تعالى على المقدرة على العفو، وقصة “نور مياتي” حالة شاذة لا تعبر عن واقعنا وأجزم أنها لن تمر مرور الكرام.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط