تنشر بعض الصحف أخباراً عن جهود رجال الأمن في مكافحة الجريمة بعناوين مثل “القبض على عصابة سرقة السيارات”، هذا العنوان يولد انطباعاً خاطئاً لدى القارئ فيستقر في ذهنه أن هناك عصابة “واحدة” لسرقة السيارات وقد تم القبض عليها. والخطأ هنا يتحمله التحرير في تلك الصحف ومثل ذلك عناوين “القبض على أكبر عصابة لسرقة السيارات”، الأكبر هنا يجب أن ينسب لرقم آخر لا يتوافر غالباً في الخبر نفسه ولا في إحصائية يمكن الرجوع إليها. وقد تكون مثل هذه العناوين مثيرة صحافياً لكن الدقة والحكمة وكذلك المهنية الصحافية تنقصها، لأن الأكبر سيأتي أكبر منه، والعصابة الوحيدة سيكتشف لاحقاً أنها “عود من عرض حزمة”. وكلما كتبت عن سرقات السيارات تصلني رسائل واتصالات من ضحايا يتحدثون عمّا وقع عليهم شخصياً. وفي يوم الاثنين الماضي نشرت هنا مقالاً بعنوان “بلاغ”، وفي اليوم نفسه وصلتني رسالة من القارئ يوسف هرموش، القاطن بحي السويدي جنوب غربي مدينة الرياض يروى فيها حادثة تهشيم زجاج سيارته وسرقة محتوياتها خصوصاً المسجلة. ذهب ناصر إلى قسم الشرطة بالسويدي ليجد أن بلاغه هو البلاغ الرقم خمسة عشر… في القسم، “تذكرت هنا الفناجيل التي صبت لحنيف في بيت الشعر الشهير الذي يقول:
“خمسة عشر فنجال لحنيف صبيت
لو أن بطنه قربة قد ملاها”
كان “فنجالاً” صباحياً مراً لأولئك المواطنين.
أوضح الأخ ناصر في الرسالة أن جميع السيارات المعتدى عليها من النوع نفسه، والسرقات تركزت على المحتويات الثابتة مثل المسجلات وغيرها. في اليوم التالي “الثلثاء” نشرت الصحف خبراً عن هذه الحوادث، ومن الواضح في مثل هذا النوع من السرقات أن الهدف هو بيع تلك المحتويات في سوق سوداء الله وحده يعلم أين تقع، ولا أعتقد أن تحديد هذه المواقع صعب على الجهات الأمنية متى ما توافرت الإرادة والإدارة الفاعلة، لكن الصمت المطبق أو التفاعل البارد مع البلاغات مضافاً إليه محاولات التخفيف الإعلامية المركزة لهذه القضية الخطيرة، هو ما يضع علامات التعجب والاستفهام. وفي مقابل خسائر أصحاب السيارات المسروقة كلياً أو جزئياً الكبيرة وغير المنظورة لدى الجهات الأمنية، فإننا بصمتنا وعدم مواجهة ذلك نقوم في الواقع بتربية وتسمين لصوص للمستقبل المشرق. إن من الجلي والواضح للمتابع أن هناك عصابات منظمة لسرقة السيارات ومحتوياتها أو قطعها الخارجية، ومن المطلوب كشفها بالأسماء وإعلان العقوبات لكل الناس… وقتها… قد لا ينزعج المسروق كثيراً عندما يقال له: “كل واحد يصلح سيارته”.