الرُّقية الشرعية أو المسكوت عنه

لو كنت من وزارة الشؤون الإسلامية لأوجدت مظلة أجمع تحت سقفها المتعاملين بالرقية الشرعية، جمعية كانت أو جماعة أو إدارة، ولو كنت من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لاستحدثت قسماً أو مركزاً لدراسات الرقية الشرعية ولا أرى ما يمنع من ذلك بقدر ما أرى تزايد الحاجة له.

وضع المتعاملين المعالجين بقراءة القرآن الكريم، أو ما يسمى الرقاة الشرعيين في بلادنا وضع عجيب، مسموح به وممنوع في الوقت نفسه، نصف عين مغمضة، لا يعرف ما يمكن أن تفعل، كأنهم رسيفرات استقبال البث الفضائي فيمنع بيعها في شارع ويسمح في آخر.

وسبب وضع الرقاة الشرعيين في ظني ان لا جهة تسندهم أو تهتم بهم بقدر ما هنالك من جهات تراقبهم أو يتجاوزون فيدخلون تحت مسؤولياتها، وأمام غموض الوضع جاء غموض الواقع فاختلط الحابل بالنابل وتعددت القصص المتناقضة، فيما استسهل البعض التعامل بالرقية ودخل إلى مجالها كثير من الصادقين والمتوهمين والمسترزقين.

عدم وجود المظلة والمرجعية ساهم في هذه الفوضى وأوجد مناخاً مناسباً للأدعياء ممن لا علاقة لهم بهذا العلم، بل قد تكون علاقتهم بالشعوذة أقرب، وهكذا صار الوضع العجيب ستاراً فريداً لهم، وتعددت الحوادث ومنها ما نشرته “الرياض” الأسبوع الماضي عن وفاة شاب ضرباً حتى الموت على يد متعاملين بالرقية الشرعية، وفهمت من الخبر ان الضرب ممنوع وإن ما حدث هو تجاوز، وهذا التجاوز ظهر للسطح بسبب الوفاة، وكم من تجاوزات قيد الكتمان، ولو أردت أن تعرف عن المسموح والممنوع لما وصلت لشيء، هذا الجانب القاتم للرقية الشرعية أساء لسمعتها وسمعة العاملين في مجالها.

في الجانب الآخر لم يعد الآن استثناء أن يوصي بعض الأطباء مرضاهم بالرقية الشرعية أمام حالات مستعصية ووجدت أن هذا لم يعد استثناء بعد تزايد عدد الأطباء السعوديين المتنورين، ممن استوعبوا علم الغرب من دون انسلاخ أو تسفيه لما بين ايديهم من علوم تحتاج لنبش يزيل عنها غبار الزمن وما التصق بها من عوالق.

والرقية الشرعية علم لا يستطيع أن يستخف به أي مسلم، وفي دول إسلامية يدرس هذا العلم لمن يرغب في تعلمه، فماذا ننتظر؟

هل ننتظر أن يأتينا هذا العلم من الغرب لنعترف به ونضع له الأنظمة والقوانين ونعطي للمشتغلين في مجاله التراخيص والشروط؟ لماذا لا نغوص في هذا العلم بأنفسنا من خلال المراكز المتخصصة، لماذا لا يحدث هذا في بلاد هي مهبط الوحي؟

ولو كنت من وزارة الصحة لرفعت يدي ولم أتدخل في شأن الرقية الشرعية، لأن الاعتراف المنظم لها سيساعد الوزارة على القيام بواجب خدماتها بصورة أفضل وسيخفف الأعداد المزدحمة أمام مراكزها ومستشفياتها لتتحسن الخدمة وتقل الأخطاء وتتقلص مواعيد الانتظار، وبجانب الجانب التعبدي والروحي للرقية الشرعية فإن هناك جانباً اقتصادياً ضخماً، يطرح سؤالاً يقول:

لماذا لا تكون الرياض العاصمة مركزاً لعلوم التداوي بالقرآن الكريم؟ لو حدث ذلك هل يمكن لنا تصور النتائج الباهرة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.