البشر بالنسبة له معرض سلالم، سلم طويل وآخر قصير وثالث عريض ورابع يوصل إلى سلم آخر أعلى قليلاً أو كثيراً، وهو في بحثه الدؤوب عن درجات يصعد منها وعليها، يفرق بين السلم الثابت والمتحرك، الأول أكثر صعوبة في الوصول إلى أول درجة فيه، الثبات جعل الدائرة من حوله تضيق بحواجز أناس من السابقين المتشبثين، لكنه لا يلين مع سعيه لوضع رجله على أول درجة من السلم الثابت…، هو مرابط هناك، ولأن البشر سلالم بالنسبة له يرصد حتى العابرين بـ«الصدفة» في حياته، ولم لا يكون الواحد منهم سلماً متحركاً؟
ينظر إليك فلا يرى إنساناً بل أداة، يجدر بك الانتباه والحذر إذا أطال تدقيق النظر، تحوط…، فهو يبحث عن مدخل للصعود غير عابئ بالأثر.
ربما عبر في حياتك مثل هذا النموذج، اكتشفته بعد وقت طال أو قصر، لكن من النادر أن تمر بموقف يحمل صورة العملة من الوجهين في اللحظة نفسها.
غير صحيح أن «صدفة خير من ميعاد» من قال هذا لم يمر إلا بمصادفات كان ينتظرها على أحر من الجمر.
الصدفة جمعتني به على مقاعد الطائرة، ومنذ أن عرفني وعرفته، بدأ البث عن عمله، مخصصاً حيزاً أكبر عن رئيسه الأعلى في العمل، تطرق إلى الاستراتيجيات والخطط التفصيلية، منوهاً في كل لحظة إلى تيه يعاني منه الجهاز الحكومي دفنت مواهبه فيه، أسهب في بيان تحجر من يديره، لم يترك «مغز إبرة» من دون وخز في رئيسه، كان البث قوياً وكمعلقي مباريات كرة القدم، لم يترك مجالاً لأذني لتتنفس، حتى أحسست بالزبد يطفح ويبقبق، الخنق من الأذن هل جربته؟
رحمة الله تعالى أدركتني، وجاءت اللحظة المشهودة، فجأة توقف البث، على رغم أن الاستقطاب عمود أفقي! قلت – محاوراً نفسي- ربما شعر بثقل روحه أو طينته وحينما التفت إليه وجدته ينظر باهتمام إلى باب الطائرة،… حيث دلف شبح مشلح! في لحظة قفز حتى كاد رأسه يصطدم بالسقف منطلقاً إلى شبح المشلح، يا للمصادفة كان رئيسه هناك، السلم الثابت وصل بالصدفة المحضة. وعلى رغم إقباله عليه بكل جوارحه، إلا أن شبح المشلح أدار له ظهره بالطول والعرض، لكنه أصر وهو الملحاح ولو للمساعدة في ترتيب المشلح، بعد محاولات تقبل شبح المشلح السلام على مضض وجلس وسعادة المتسلق هازعاً عليه بما يشبه الهبوط المظلي.
بوجه مقسوم بالطول عاد إلى مقعده بجواري قلت له «إيه وين كنا.. أكمل؟» طالعني صامتاً وكأنه لا يعرفني، توقعت أن يقول: من الأخ؟ أو يقوم بالحراج على مقعده مع جائزة للمشتري، صمت أنا الآخر كاتماً ضحكة في أعماقي، بمن الله وفضله ارتحت طوال الرحلة.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط