عن الوطنية

احتفى البعض بمدائح الكاتبة الأميركية “تانيا سي هسو” التي أغدقتها على بلادنا في مقال أشرت إليه أمس، الاحتفاء جاء في النشر والتعليق، وركز على المديح، لكنني توقفت عند عدم تطرق أحد منهم لتلك الجزئية الرئيسة من مقالها، ولأهميتها أعيد نشرها، قالت الكاتبة: “لقد ظل هناك سؤال يطاردني لم أحصل على جواب له خلال جميع مناقشاتي التي جرت في المملكة، فعندما كان يُوجَّه سؤال لشخص حول أسباب شعوره بالفخر لكونه سعودياً كان من الإجابات الشائعة أن السبب في ذلك كونه مسلماً أو عربياً، كما أن المملكة هي موطن الحرمين الشريفين، ولكنني لم أتلق إجابات حول القومية والروح الوطنية السعودية، ألا ترون ما في هذه الناحية من معنى؟”، انتهى.
من نافلة القول انه ليس هناك قومية سعودية، العروبة هي بعدنا القومي، والإسلام هو بعدنا العقائدي، لكن أين الروح الوطنية السعودية التي لم تجدها الكاتبة الأميركية في أجوبة من طرحت عليهم الأسئلة؟! سؤال كبير، بحجم الامتداد الجغرافي للمملكة العربية السعودية.
لكن الروح الوطنية التي لم يظهر لها أثر في الإجابة، نراها مثل علم في رأسه نار عند التصويت لشاب يبحث عن الشهرة في برنامج فضائي تعيس! ونراها بوضوح – فيه كثير من الشوائب – في نشاطات كرة القدم والفن.
لقد سعى البعض منذ زمن طويل إلى التأكيد على تعارض الإسلام مع الوطنية، وفي سعيهم لمقاومة الطرح القومي العربي… الثوري، الذي يرفع لافتة “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، والأمة هنا هي الأمة العربية، والرسالة هي القومية! فكان اللجوء لدائرة أكثر شمولاً وقدرة على الرد وهي… الإسلامية، ومعلوم أن العرب لم يكن لهم قيمة تذكر من دون الإسلام، ومعلوم أنه هو رسالتهم الخالدة للبشرية، لكن الوطنية في تقديري لا تتعارض لا مع القومية الإيجابية، ولا مع الإسلامية الحقيقية المتسامحة، هذا الشرخ في الوطنية السعودية بحاجة إلى علاج، والفشل الذي أصاب مناهج التربية الوطنية السعودية يشير إلى مأزق كبير… لا يواجهه حالياً سوى القائمين على إيجاد بدائل مناسبة لمناهج التربية الوطنية، أيضاً الإعلام الرسمي والأهلي له دور كبير في عدم نمو الروح الوطنية الإيجابية، أقصد بها تلك الروح التي تحث الفرد على العمل والإنتاج والتفاعل الإيجابي مع قضايا مجتمعه وبلاده، ولا أقصد بها، التشجيع والتصفيق والتصويت في المدرجات والمسارح… والهواتف، الإعلام حصر اهتمامه بهذه الروح وتغذيتها في الأناشيد والأغاني الموسمية… وحتى التصويت الفضائي!
 ومن مظاهر الخلل العديدة الاستخدام المبتذل لصفة الوطنية، إذ استخدمت هذه الصفة تجارياً حتى فقدت معناها الحقيقي، وتحولت إلى مصدر للمتاجرة، ولأن الحديث يطول في تشخيص مظاهر الخلل، أكتفي بإيقاد شمعة صغيرة، وأطلب من القائمين على الحوار الوطني أن يضعوا هذا الأمر في أولوياتهم.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.