أنف وعشرة أصابع

قبل أشهر أعلن المرور في السعودية عن نيته تجريم البصق في الشوارع والطرقات، ومنذ ذلك التاريخ لم نسمع أو نقرأ أن ذلك تم تطبيقه بالفعل، ربما أن الإخوة في المرور يحافظون على مشاعرنا وأذواقنا، فلا يعلنون عن ذلك، ولم أكتب وقتها عن “المشروع” لأنني متيقن أن ذلك لن يحدث في الواقع، والسبب أن المرور لم يستطع القيام بواجبه الأصلي على رغم محاولاته، فكيف بملاحقة تلك التصرفات القميئة؟!
ولا بد من أن يظهر إشكال قانوني، هل حدود مسؤولية المرور محصورة في من يمارس ذلك الفعل الكريه وهو داخل سيارته، أم يشمل ذلك المشاة والأسواق…الخ؟ هنا سيأتي من يقول إن ذلك من عمل البلديات، ونحن نعلم أن هذا الجهاز – ومنذ زمن – في خبر “كان”، والحملات الأمنية التي كشفت المخالفات بالجملة كشفت عوز وضعف وفقر هذا الجهاز الذي يحتاج فعلاً إلى إصلاح جذري. لذلك لن أتوقع منه التصدي لما جبلت عليه أشكال من العمالة المتخلفة في بلادنا، التي تمارس هذا الفعل بشكل غريب، وهو ليس محصوراً فيها، بمعنى أنه لا أحد يفعله من المواطنين او المقيمين الآخرين، لكن النسبة المرتفعة بينهم “فاقعة للكبد”، ومنذ زمن وصلتني رسائل من إخوة مواطنين لاحظوا انتشار هذه الممارسات بين عمالة بعينها، وقالوا وقتها إن لها أصلاً عقائدياً عندهم تجاه الآخرين! ولست أؤكد ذلك أو أنفيه، لأنني ببساطة لا أعلم، والخلل ليس في تلك العمالة أساساً، بل في تلك الجهات التي ما زالت تسمح بالاستقدام من دول ثبت من عمالها تردي الإنتاج وكثرة الممارسات المخالفة والبصق أقلها، والأرقام هي من يحكم، وهي متوافرة في وزارات الداخلية والعمل، فمن يوجّه الاستقدام؟ هل هي الأجهزة الرسمية أم تجار العمالة الذين يبحثون عن الأرخص والحصول على عمولة أكبر؟
دخل صديقي إلى فرع محل “بيتزا” شهير جداً في الرياض، إعلاناته تخطف الأبصار، كان الرجل جائعاً وقادماً من سفر، ويريد وجبة سريعة، وقف الرجل أمام المحاسب يختار الصنف الذي يريده، وعندما رفع بصره وجد عامل المطعم الشهير في الداخل والذي سيقوم بإعداد “البيتزا” الشهية يعالج انفه ببسالة! تصور صديقي أن أصبع العامل سيخرج من جبهته، “حامت كبده” وخرج.
ألا تلاحظون معي قراء “أحياناً” الأعزاء أن هؤلاء يتمركزون في المحالّ الصغيرة من المطاعم؟ ألا تلاحظون انتشاراً لمكتشفي الأنوف الجدد،  وخصوصاً وباء “محال السلع المخفضة” المنتشر؟! أنف وعشرة أصابع تشتغل، كأنها تبحث عن كنز دفين، لا تعني سوى أننا في هذه البلاد نسمح بدخول من هب ودب، وأن الاستقدام ما زال تجارة، وأن الوضع سيبقى على ما هو عليه إلى أن يتم إصلاحه، وهو لن ينصلح وحده لأن البلديات بحاجة إلى إصلاح جذري.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.