عالم المتسولين عالم عجيب ومثير، المفاجآت فيه متجددة، وعندما تبدأ حملات المكافحة مبكراً تكون النتائج جيدة، وعندما تكون أبكر وتشترك فيها جهات عدة تصبح النتائج ممتازة، وعندما دخلت شرطة الرياض في حملات مكافحة جماعات المتسولين نهاية شهر شعبان الماضي، حصلنا على نتائج طيبة، إذ انخفضت الأعداد المشاهدة بحسب ما أراه في الطرقات والمساجد، وتخبرنا أحوال المتسولين وتقنياتهم التمثيلية كم نحن شعب طيب بل وقريب من السذاجة، وفي منطقة مكة المكرمة دهمت فرق المكافحة بيتاً يؤوي متسولين واستغرب أفراد المكافحة أنه لم يكن هناك رد فعل منهم على رغم وجود أكثر من عشرة متسولين، واكتشفت الفرقة أخيراً أنهم جميعاً من المكفوفين، وتستخدم عصابات التسول إضافة إلى المعوقين الأطفال باحتراف ومهنية، يأتي لك الطفل ويسألك قائلاً: “حباً بالله أعطني”، فماذا ستفعل؟ وأنت تعلم أنه أجير لدى عصابة منظمة، ولدى المتسول حاسة خطيرة للمواقع ولم أجد أذكى من متسول يجر معه طفلاً اختار لوقوفه موقعاً بين محطة وقود وجهاز صراف، وباللهجة الشعبية هو “على مغرابين”، كاش من هنا أو كاش من هناك، وبحسب المصطلحات التسويقية “اثنان في واحد”، والمتسول أستاذ في التمثيل، يستطيع أن يدرّس كثيراً من الفنانين الذين نشاهدهم في التلفزيون، ويصرون على أخبارنا بتعابير وجوههم أنهم يمثلون، أما بالنسبة للنساء المتسولات فإن “التلفلف” بالعباءة السوداء أفضل لباس للتمثيل، وعندما خرج أحدهم من المسجد متأخراً قليلاً شاهد المرأة المتسولة الجالسة أمام الباب تمشي على ركبها فعطف عليها وأعطاها المقسوم، وفجأة توقف باص فيه مجموعة من الأشخاص وبينهم جندي، وفي لحظة طارت المرأة مسرعة على قدميها، “انحلت عقد ركبها”!
متسول العام هو بطل القصة التي نشرتها جريدة الرياض في خبر صغير لم يعط حقه في البروز، وهو يبين بصدق كم نحن طيبون وبسطاء، وبعض منا على درجة عالية من السذاجة، وإذا ما لبس أحد لباس الدين، وهو لباس ثقيل ومهاب، يمكن أن يحقق أهداف النصب التي يصبو إليها بسهولة ويسر، الخبر يقول إن مكافحة التسول في الرياض تمكنت من القبض على مقيم سنغالي، يقوم بجمع التبرعات لبناء مسجد في بلاده، وهو يحمل خطاباً مزوراً لإدارة المساجد والمشاريع الخيرية، الذي كشف حالة النصب هو أسلوب الخطاب الركيك الذي أشار إلى أن أهل المدينة التي سيذهب إليها التبرع، هم من أهل السنة و… “المجاعة”! الجماعة تحولت إلى المجاعة، والحقيقة أن المجاعة والسذاجة هي التي جعلت وفود المتسولين تتقاطر على بلادنا، ونحن منهمكون في نقاش هل هي ظاهرة أم لم تظهر!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط