في العراء شاهدتها تقف وحيدة أيام عديدة، وحتى لا تذهبوا بعيداً، اختصر وأقول هي سيارة قديمة لكنها مستورة الحال، وأنا هنا “شاهد شاف سيارة” وحيدة، من شكلها الخارجي أستطيع القول انها “تقضي اللزوم” أو كانت كذلك، استغربت وقوفها بكامل هيكلها العظمي مدة طويلة، قلت في نفسي ربما تكون كميناً وضعته الشرطة للقبض على لصوص السيارات المنتشرين في بلادنا، تفاءلت خيراً وقلت لعل الشرطة طبقت تلك الفكرة التي طرحتها في مقال سابق، لكن السيارة الوحيدة تم إيقافها في مكان عام ومكشوف في النهار على الأقل، ومن حولها طرقات رئيسة سريعة تصلح للهرب السريع مثلما تصلح للملاحقة السريعة، بل أن أحد هذه الطرق يلتف عليها مثل الأفعى وهي قابعة هناك، يمكنك هذا الطريق من مراقبتها بهدوء، أيام عديدة وهي متماسكة، و”ما عندها من الشيطان طاري”، وفي يوم من الأيام بدأت عوامل التعرية البشرية تغزو هيكلها البائس، تم فتح الأبواب، والشنطة الخلفية، وفي يوم آخر “شلحت” الإطارات، تمت سرقة أحذية السيارة الوحيدة واستبدلت بحجارة، تخيل سيارة تمشي بعجلات من حجارة، في يوم آخر فتحت أبوابها على مصاريعها، عوامل التعرية البشرية تعمل بهدوء وبالتقسيط المريح، ظننت وفي بعض الظن أثم، أن الكمين ما زال قائماً، وربما يكون الهدف معرفة من يسرق السيارة كاملة وليس أجزاءها، هناك فرق بين سرقة الأجزاء وسرقة كل المتاع، الأخير أكثر خطورة، ولصوصه لصوص جملة، أما لصوص الأجزاء فهم لصوص تجزئة، والمثل يقول إذا أردت أن تمسك فأمسك بعيراً.
لكن التشليح استمر، عوامل التعرية البشرية استمرت في العمل الدؤوب، هنا علمت أنه ليس كميناً، لا يمكن أن تضع فخاً ثم تتناساه، قد تكون سيارة مسروقة أو مطلوبة، لا أعرف من هو الصاحب ولا الطالب، لكني تعاطفت مع هذه السيارة الوحيدة، تعاطفت مع لوحتها التي ما زالت معلقة في موقعها، للمهتمين بالسيارة الوحيدة، هي ما زالت وحتى لحظة كتابة هذا المقال متكومة، تلعق جراحها، تحاول هذه الجمادة وهي منهكة أن تخفي عورتها، أو ما بقي من سترها، وعلى رغم كل شيء ظلت في مقاومتها لعوامل التعرية البشرية المتوحشة محافظة على أصلها، أقول للمهتمين مكانها بشرط أو رجاء، يمكن لهم أن يجدوها في الساحة المكشوفة أسفل تقاطع الدائري الجنوبي مع طريق الخرج القديم، أما الشرط/ الرجاء فهو أن “تسلملي عليها”.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط