اقتبستْ مصر من تونس شعلة الغضب. كانت شرارة البوعزيزي وتوابعها دافعاً لعشرات المصريين للاحتفال أمام السفارة التونسية بالقاهرة، رقصوا وغنوا ولم يتركوا سيرة مبارك، تلك كانت نذر اشتعال الميدان. هرب بن علي من تونس وبقي مبارك في مصر، ثم جاء «الإخوان».
تدارك «إخوان تونس» الأخطاء في مصر، اعتبروا مما حدث هناك. النهضة التونسية استفادت من استعجال «النهضة» المصرية، بوعي قرأت وتمعنت «في العجلة الندامة»، فكان أن «فرملت» في الوقت المناسب، لم تتصدر الواجهة كلها بل أخْلت مساحة للآخرين من خصوم السياسة، مع أنها مثل أختها بعد شرارة الغضب واشتعال الحريق في أطراف النظام لحقت بالركب.
بولادة متعسرة خرج الدستور التونسي بالتوافق. ميزة الدساتير التوافق مكسب هنا، في مقابل تنازل هناك. هكذا تكون الأرضية المشتركة للانطلاق، تدافع بالدستور لا في الشوارع لا بالقنابل والاغتيالات. هل عبَرت تونس الجسر؟ من المؤكد أنها قطعت شوطاً مهماً، فهي تواصل العبور على رغم اغتيالات وأحداث عنف وقتل كانت مؤشراً للانحدار. الفرملة جاءت بدواسة عدم الاستئثار. الأخير هو آفة العرب.
مقارنة بمصر كانت النهضة التونسية في موقع الظل. مصر بحجمها جذبت الأضواء وقوى متنافرة. توارت تونس في الظل قريباً من الأضواء، بعيداً عن الوهج. كانت تلك نعمة، لكن لم تكن هذه هي الميزة الوحيدة، إذ الميزة الأهم أن نهضة تونس كان لها رأس واحد معلن، في حين لم يكن يُعرف من هو رأس «الإخوان» في مصر.