لغة السيارات

ينفَس سائق الشاحنة عمّا في صدره من خلال عادم مركبته الضخم، يتلذذ بذلك أمام إشارات المرور أو وسط السيارات المزدحمة، يدعس سائق الشاحنة على دواسة الوقود ثم يطل من مقصورته “الديزلية” بتشفٍ ليتمتع بمنظر خصمه اللدود سائق السيارة الصغيرة المجاورة وهو يكاد يختنق، إقفال زجاج السيارة الصغيرة الجانبي لا يحقق نفعاً يذكر، سحابة الديزل تغطي السيارة من سقفها إلى “الدفرنس”، في الطرقات تنعكس الطبقية الاجتماعية، إذا نظرنا إلى الطبقية من زاوية عمودية، كلما كانت السيارة منبطحة على الأرض بأنف يتشممها متفانياً في ملامسة سطح الإسفلت وتقبيل رأسه من  نتوء إلى آخر، عندما تكون كذلك فهي تعبر عن موقع اجتماعي بعيد عن الأرض… عمودياً، وكلما كان خشم السيارة ومقصورتها إلى أعلى وجسمها مرتفعاً عن سطح الأرض كانت على أرض الواقع الاجتماعي أقرب كثيراً إلى أمنا الأرض، يشعر سائق الشاحنة الضخمة بأنه من غير المرغوب فيهم بالمدينة، اللوحات التي تحدد أوقات دخوله وخروجه تضايقه حتى ولو لم يحترمها، إضافة إلى هذه الكائنات الصغيرة من السيارات التي تتقافز أمامه، سلاحها أنها أسرع وأكثر مرونة من هذا الديناصور الذي يمتطيه، سائق السيارة الصغيرة لا يقيم وزناً لحجم الديناصور فيلتف عليه مرة ويضايقه مرات لأنه على أرضه في المدينة، لكن سلاح الديزل وفوهته الضخمة المتدلية أمام أنف سائق السيارة الصغيرة ليس هو السلاح الوحيد للديناصور الآلي، يعتمد سائق الشاحنة أيضاً على سلاح الحجم، يحتمي به مثل جهاز مناعة فريد من نوعه، ولا يتورع عن التهديد به، في الطرقات الطويلة تبدو الشاحنات أكثر هدوءاً لكنه هدوء يخفي خطراً أكبر، الطرقات الطويلة هي ساحة ديناصورات السيارات، وبحسب ماهية سائق الشاحنة، يمكن أن يكون دليلاً لمن خلفه أو إرهابياً مرورياً. في المدينة ومع عوامل التطور والتكيف نشأ صنف جديد، سيارات هجينة أخذت بعضاً من ضخامة حجم الديناصور المروري، وإن كانت أصغر، ونجحت في امتلاك القدرة على المناورة وإن كانت أقل من السيارات الصغيرة، إلا أنها امتازت بسلاح الديزل، تنفثه وهي تناور بنزق وتحد، وهي في الطبقية الاجتماعية للسيارات أقرب إلى الشاحنات منها إلى السيارات الصغيرة، وللرد على هذا اللاعب الجديد، لجأ بعض أصحاب السيارات الصغيرة إلى نوع هجين فريد لامع متوسط الحجم، قدرة المناورة لديه عالية جداً، لكنه استبدل سلاح فوهة الديزل الذي لا يتيح المناورة السلسة بصوت مزعج… ومن العادم ينطلق، وهو لا يختلف كثيراً عن إزعاج عادم الديزل بل يتحد معه في تحويل المدينة إلى غمامة من التلوث المتكامل.