الرجل الحصان

في عدد مجلة “لها” الأخير حوار مع رجل يقول إنه يطرد الجن من أجساد البشر، وما لفت انتباهي روايته عن إحدى مريضاته التي تخيلت أن زوجها حصان!
أعاد الحديث عن الرجل الحصان إلى الذاكرة قصة ظريفة ساحرة للكاتب الساخر التركي عزيز نيسين، لم أعد أتذكر عنوانها لكن القصة القصيرة تدور حول رجل يستيقظ في الصباح الباكر ويلتفت إلى جواره فيجد أنه نام تلك الليلة بجوار مخلوق غريب، ويصف الكاتب ذلك المخلوق بصورة فريدة لا تخطر على البال، منها أن له رأس سلحفاة ورقبة قنفذ، إذا كان للقنفذ رقبة!، ورجلاه رجلا ثور وله ذيل تمساح وعلى هذه الشاكلة. وما أنقله عن القصة غير مطابق لكنه قريب مما كتبه الكاتب، يصاب الرجل بالفزع فيهرب من السرير وعندما يخرج من الغرفة يقابله مخلوقان صغيران يصفهما الكاتب بأوصاف لا تختلف كثيراً عن ذلك المخلوق الغارق في النوم، يخرج الرجل إلى الشارع فيجد تراكيب مختلفة لمخلوقات تروح وتغدو ليست موجودة سوى في مخيلة الكاتب الرائعة، ويبدأ بطل القصة بالصراخ والركض، فهو قد اعتقد أنه في عالم آخر أو أصيب بالجنون، إلى أن يتمكن منه مخلوقان ويذهبان به إلى طبيب لا يختلف في الصورة عنهما كثيراً، فيسألهما الطبيب أهي الحالة نفسها فيرد أحدهما بالإيجاب، ونلاحظ أن الطبيب لا يستغرب الحالة ويتعامل معها بهدوء علاج الزكام، يخرج الطبيب مرآة من درج مكتبه ويضعها أمام وجه الرجل ليرى صورته، ثم يصف لنا الكاتب صورة الرجل التي لا تختلف كثيراً عن تلك التراكيب المسخية، المهم أن بطل القصة بعد أن رأى صورته وتمعن فيها يعود إلى حالته الطبيعية ويبتسم بهدوء، معتذراً بخجل من الإزعاج الذي سببه، ويعود إلى منزله ليقابل تلك المخلوقات ليس بصورة عادية بل بالأحضان.
والرمز واضح في القصة وكنت أتعجب من هذا المدى الجامح الذي وصلت إليه مخيلة الكاتب التركي لأكتشف من خلال قصة المجلة أنه يحدث في الواقع، تصور حالة هذه الزوجة وهي تتخيل أن زوجها حصان، لم تحدد هل هو حصان سباق أم حصان لنقل الأحمال الثقيلة.
هناك من القصص والأحداث الواقعية ما يبز ويتجاوز ما يقدمه الكتاب والمؤلفون، حسناً هل يحدث لأحد منا مثل ذلك الشعور أو التخيل ولو للحظة، كأن تدخل على مكتب رئيسك في العمل فتجد طاووساً جالساً يصيح بصوته الحاد العالي فتصاب أذناك بالصمم، وعندما تطلب منه أمراً ما يفرد ذيله الملون في وجهك، أو أن تراجع إدارة فتجد موظفاً شبيهاً بالدب الظريف الكسلان وحوله تجمعت مخلوقات غريبة، بعضها اكتفى بالفرجة وبعض آخر “ينق” مثل الدجاج، أو أن تقود سيارتك فتتحول السيارات من حولك إلى وحوش تريد التهامك، إذا وصلت إلى هذه الحالة فأنت لا تحتاج إلى طارد للأرواح الشريرة، العلاج يكمن في قطعة مرآة صغيرة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.