تخيّل أن هناك معتمرين يرغبون في السفر إلى بلادهم وينتظرون أربعة أيام كاملة في مطار الملك عبدالعزيز في جدة، هذا المطار العجيب تصاب أنت فيه بالحكة لو مكثت فيه أربع ساعات! فكيف بأربعة أيام؟ من جانب آخر تجتهد الجوازات في تحذير المعتمرين من البقاء بعد المدة المحددة لهم، طرفا هذه المعادلة المتضادان أحد أسباب تخلف المعتمرين، الشركة المكلفة بالمهمة واسمها “تسهيل”! تلقي باللوم على جهات أخرى، ووزارة الحج تحذر وتجمد تصاريح وتمنح أخرى، وليس هناك من تطور فهي حال موسمية مشهودة، الحديث عن هذه السحابة الموسمية أصبح مملاً، والأفضل أن نتحدث عن المطار.
في الطابق الأرضي من هذا المطار يوجد “كشك” صغير مخصص لركاب الانتظار للرحلات الداخلية، ولأن الاسم لا بد من أن ينطبق على المسمى فإنك ترى جموعاً من المنتظرين، فجأة يركضون ويتجمهرون حول “الكشك” الصغير ثم يتفرقون، ولا تسمع سوى توسلات: “الله يرحم والديك… تبوك”… “ممكن نجران… الله يحفظك”، مع التوسلات هناك إشارات إلى الأوضاع، راكب لديه حال طارئة، الجواب غالباً: احضر قبل ربع ساعة من وقت الرحلة، قيد اسمك وانتظر رقم الحظ، تماماً مثل حافلات “خط البلدة” التي زاد من شهرتها الفنان فايز المالكي، داخل “الكشك” يجلس ثلاثة من موظفي “الخطوط السعودية” وهم – الشهادة لله – يحاولون الرد على الاستفسارات، لكن هذا لا يعني الحصول على بطاقة صعود، يمكن أن تصاب بنوبة من العطاس بسبب الروائح، وكأنك “نشقت” حفنة “صعوط”، اللون البني للكشك الصغير يزيد من حالة كآبة الانتظار، وليس هناك أمام المنتظرين سوى التجمع ثم التفرق، بحسب المناداة، والكل يلجأ إلى الجوال، فمن لا يعرف أحداً لا يعرفه أحد، وبحكم أن مصائب قوم عند قوم فوائد نشأ بجوار “الكشك” الصغير مطعم ظريف، يتلألأ بالأضواء والمصابيح، ملصقات الأطباق شهية على الورق، أما افتراس المنتظرين فيأتي من الأسعار، هنا استغلال أمثل لحاجة المنتظرين، وإذا تلفت حولك وجدت أن غالبيتهم من الطلبة، وهم بلا شك ينتظرون أيضاً مكافآت متأخرة شحيحة، لكنه “البزنس” الذي لا يرحم، حجم “الكشك” في مقابل حجم المطعم وأوضاعهما المتباينة توضحان لك كيف تفكر إدارة المطار العجيب، ولأن أمانة محافظة جدة تقول إنها تكافح غلاء الأسعار، ووضعت رقماً هاتفياً للتبليغ فضلت التبليغ عنه كتابة، لأن المشافهة لدينا لا قيمة لها، وننتظر النتائج.
قضية مطار الملك عبدالعزيز ليست قضية مبنى وإمكانات، بل قضية إدارة وموظفين.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط