من تحت الطاولة

أصبح تعبير “تحت الطاولة” أكثر استخداماً من ذي قبل في عالم الأعمال السعودي، والطاولة وأجزاؤها دروع وسواتر يلجأ إليها الموظف المرتشي، ما فوق الطاولة يختلف عما تحتها، الذي فوق هي أوراق تتحرك بحسب النظام أو “المعتاد”، والنظام يمكن أن يكون مطاطاً فقط عندما تتزحلق الأوراق إلى تحت الطاولة، السرعة فوق الطاولة بطيئة والطريق الذي تمر به المعاملات ضيق ومتعرج وفيه إشارات حمراء وصفراء كثيرة، أما الطريق تحت الطاولة فهو سريع ومن غير إشارات توقف أو ازدحام، وأصبح بعض رجال الأعمال يضعون بنداً في موازناتهم وتكاليفهم خاصاً بأسفل الطاولة وكأني بالمراجع الراشي والموظف المرتشي وقد اجتمعا تحت الطاولة ولا بد أن يكون هذا الاجتماع هامساً ولا تسمع منه سوى الوشوشة، لكنه مكشوف حتى ولو لم يتحدث أحد بصوت مرتفع، الطاولة التي هي أداة من أدوات العمل استخدمت بصورة سلبية مثلما يمكن للنظام أن يستخدم بالصورة نفسها، وقبل الطاولة كانت التعابير الشعبية تتحدث عن “دهن السير”، كانوا يقولون: “ادهن السير يسير”، إذا لم يكن لديك دهن سيتعطل ويتلكأ السير وربما يتوقف ومعه تتوقف أحوالك، في ذلك الوقت كان للدهون قيمة كبيرة، ومع اتضاح أخطار الكوليسترول على الشرايين في ما يبدو استعيض عنها بمظلة الطاولة، وإضافة إلى تعبير تحت الطاولة هناك تعبير آخر يفي بالغرض نفسه، وهو “الدرج المفتوح”، يترك الموظف المرتشي درجه مفتوحاً ليوضع فيه الثمن.
ويستخدم بعض المرتشين تعابير مثل “ما يخدم بخيل”! على رغم أنهم يتقاضون على هذه الخدمة أتعاباً رسمية لكن اللقمة التي في يد الغير لها طعم آخر في أفواه هؤلاء.
ومن أساليب الرشوة الأعلى درجة مما سبق “التنفيع”، لا يحصل طالب الخدمة على فرصته إلا باقتطاع حصة مما لديه للموظف المرتشي، بعضهم يسمونها شراكة إذعان وربما يأتي “التنفيع” على شكل عرض من طالب الخدمة نفسه، بهذا العرض هو يؤمّن لمشروعه أو حاجته طريقاً مسانداً سريعاً وخفياً في الوقت نفسه.
وأجد أننا للأسف نكاد نتكيف مع هذا الوضع المزري على رغم أن ديننا يحرمه وعاداتنا لا تقبله، لكن يكاد يصبح عادة سرية لدى فئة مهمة من المجتمع، بل انه في الاجتماعات أو اللقاءات الجانبية ربما يشار للمرتشي بأوصاف الذكاء و “الذئبية” من ذئب، والأخير من أوصاف المدح في بلادنا المعمورة! والواضح أن أداء الجهات المختصة ضعيف ولا يتواكب مع استشراء الداء، كما أن طرح هذه القضية وأخطارها إعلامياً أكثر ضعفاً هو الآخر، إنها من شبه المسكوت عنه، وهو ما يدفعني للمطالبة بإنشاء هيئة مستقلة للنزاهة ومحاربة الفساد الإداري.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.