تواقيع

“وين أوقع؟” هذا ما يقوله أكثرنا، فنحن جاهزون للتوقيع، بل ان التوقيع يكون قبل قراءة الورقة الموقع عليها، وترى الغالبية بعد التوقيع يتفحصون الأوراق! هذا السلوك اللاإرادي حتمته في تقديري اتفاقات الإذعان التي تعودنا عليها دهراً طويلاً، الشروط والأحكام لتلك الاتفاقات للحصول على خدمات تنصف صاحب الخدمة، وتضع في حلق العميل أو المحتاج للخدمة مئة حبل وحبل والتزام، لذلك أصبح التوقيع سلوكاً غريزياً، ولنأخذ المصارف واتفاقاتها مثلاً، منذ زمن وأنا أحاول قراءة مثل هذه الاتفاقات لأكتب عنها، لكنني أصاب بالملل واليأس بعد ثالث أو رابع بند، ثم أتذكر أن لا فائدة من الكتابة، وأصل في النهاية إلى نتيجة مع “الخيل يا شقرا”، وأنت وأنا بحسب المثل الشعبي “عود من عرض حزمة”، وأضيف لإزالة الحنق أمثلة كثيرة لا تغيب عن أذهانكم، المصارف ليست هي الوحيدة، شركات السيارات، التأجير المنتهي بالتمليك، وغيرها كثير، وتتفق هذه الاتفاقات، على اختلاف الخدمات المقدمة، في أن الحق على العميل، وكأنها تقول: “ألم يأت بنفسه؟ هل ضربه أحد على يده ليأتي ويقدم طلباً؟” والذي فرّخ اتفاقات الإذعان هذه هو احتكار القلة الذي تحدثت عنه مراراً وتكراراً.
المصارف حالياً تدعو العملاء لاستخدام وسائل الاتصال الحديثة، في الاكتتابات وفي التسديد وفي تداول الأسهم، ولا أحد يتحدث عن الاتفاقات، فليست هناك جهة واحدة تعنى بالمستهلك أو العميل، ومن خصائصنا أننا البلد الوحيد في العالم الذي تقوم فيه الغرف التجارية برعاية المستهلك!
أعود للمصارف وأقدم لكم بعضاً من شروط خدمة تداول الأسهم من خلال الانترنت، لتضحكوا، لأن شر البلية ما يضحك.
تصر المصارف على أن يخلي العميل طرف البنك من أي مسؤولية يمكن أن تترتب، في حال عدم تمكنه من التمتع بالخدمة لأي سبب من الأسباب، وعلى العميل التوقيع، ولا تحصر الأسباب بل تبقى بلا نهاية، وعلى العميل التوقيع.
وتصر المصارف على حقها في رفض القيام بأية عملية من دون أدنى مسؤولية عليها، وفي الوقت الذي تحدده هي، ومن دون ذكر السبب، وعلى العميل التوقيع.
بل ان بعض المصارف تخلي مسؤوليتها ومسؤولية موظفيها، حتى ولو كانوا على علم باحتمال وجود أضرار وخسائر!
خدمة من دون أدنى مسؤولية، و”عاجبك ولا الباب يوسع بعارين”، وهذا نموذج لاتفاقات إذعان كثيرة، حسناً، ماذا تقول مؤسسة النقد السعودي؟ تقول ان مصارفنا أفضل من المصارف الأوروبية! “قال من يمدحها قال أمها والمشاطة”! وما زال المشط مستمراً.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.