لم يأتِ اسم الشيخ «مدهن» من باب الصدفة، فالعلاقة بالدهن علاقة راسخة قديماً وحديثاً، تربى عليها وتمسك بها، بالنسبة له هي من الثوابت الصالحة لكل زمان ومكان، شعاره «الدهن هو الحل»، ولكل زمان دهنه ولكل مكان الدهن المناسب، لذلك يمكن القول إن له من اسمه النصيب الأوفر من الدهن!
علاقة الدهن بالكرم علاقة موروثة، سواء دهن الحيوانات أو دهن النباتات، كانت لتلك العلاقة أسباب وجيهة في وقتها زمن الفقر والفاقة، إلا أنها بقيت ثابتة مع تغير الواقع من حولها، حتى الثابت هنا أيضاً طاله تغير منتقى، تنوع الدهن وطفحت أغراضه، فمن دهن السير إلى تدسيم الشوارب واللحى، الدسم هو الدهن وإن اختلف المسمى.
وعلى رغم أن الشيخ مدهن يحمل في جيبه حبوباً لخفض الكلسترول وتحذيرات أطباء تحتم عليه الاحتياط لصحته، لم يستطع الفكاك من حالة دهنية تحولت إلى حالة ذهنية، هو ليس استثناءً، فالمجتمع نفسه ينتقد الدهن والمستدهنين وكذا المداهنة، لكنه يغرق فيهما ليعلي من شأن الدهون، كما أن لسان المجتمع الناقد اللوام لن يترك أحداً فرط أو «ارتد» عن الدائرة الدهنية، الخطاب المعلن والاتفاق الظاهري يشبه خطاً وهمياً لا يغير من حقيقة المغروس في النفوس، ينهار هذا الخط عند أول اختبار.
المفارقة في ألوان لوحة الحالة الدهنية التي يرسمها الشيخ مدهن ويعيش منتشياً داخل إطارها، أن هذه اللوحة المبهرة تخفي تحتها بخلاً وشحاً يرقى لدرجة الظلم، على رغم كل هذه الوجاهة لا يتورع الشيخ عن غمط حقوق الناس، من الإرجاء إلى التسويف، لكنه ينتقي الهدف باحتراف، أكثر من يغمط حقوقهم هم ممن حوله سواء كانوا يعملون أو يتعاملون معه، وكلما كان الشخص أكثر قرباً، أو «تحت العباءة» كما يقولون، كان الغمط أقوى وأطول نفساً.
في قرارة نفسه يؤمن الشيخ مدهن بالمثل القائل «اكرب وجهك وارخِ يديك» مجرد دعاية للجذب مخصصة للبعيدين عن العباءة، أما القريبون منه ومن تحت الخيمة فهو يعكس المثل ليكون «ارخِ وجهك واكرب يديك».