من القعود إلى دهن العود

في الأمثال الشعبية «ما بعد العود قعود»، والعود هنا هو البخور طيّب الرائحة، يقدم للضيوف وهو ما يعني نهاية المناسبة وضرورة الانصراف حتى لو كان هناك «تلزيم» بالبقاء. أما الغسل بدهن العود فهذه حال استثنائية لم يذكر لها مثيل، وربما الاستثنائية هنا سبّبت طلباً «لقعود» استثنائي في الذاكرة!

أحسن الشيخ عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء بالتعليق على مقطع «مغسلة دهن العود»، مضيف يغسل أيدي ضيوفه بما قال إنه دهن عود وعلبة الملكي المعدنية على سطح المغسلة ربما للإثبات. بعد ما انتقد الشيخ المطلق تصرف المضيف مشيراً إلى التبذير ومحذراً من العقوبة، اعتبر ما فعله صاحب هذا التصرف «من التخوض في المال بالباطل، فيما هناك أناس في حاجة ماسة إلى كل ريال، وآخرون مسجونون في مبالغ بسيطة بالآلاف كان يمكن لهذا المبلغ المنفق أن يفك كربتهم» انتهى.

وعلى رغم انتشار المقطع بسرعة من الواتساب إلى وسائل التواصل الأخرى، لم أجد أحداً يثني عليه مع أننا تعودنا على من يحب عكس السير، والمشكلة في فهم ماهية الكرم والتكريم والتقدير للضيف والصديق، النية هنا نعتقد أنها سليمة لكنها ضيّعت الطريق لتحدث نتائج عكسية، ومن الظواهر الصحية في المجتمع انتقاد هذا السلوك والإجماع على ذلك. تعليق الشيخ المطلق أبرز افتقادنا الطويل لحضور العلماء والمشايخ ضد المظاهر والظواهر السلبية، خصوصاً في ما يتعلق بالعادات المرتبطة بالإسراف، ولدينا أمثلة مذهلة من الصحون الضخمة بأكوام الأرز واللحوم إلى استخدام دهن العود كصابون للغسيل.

وللأسف تعودنا ألا يأتي الحضور الوعظي هنا إلا متأخراً وبعد ما تصبح الظاهرة واقعاً يقلده آخرون، ولتراجع هذا الحضور أسباب في تقديري منها ما هو ناتج من صناعة الأسئلة، الذين يديرون برامج الحوارات مع الفقهاء عند استقبال الأسئلة هم من يتحكم بالسؤال، وقد يخضعون لما تأتي به الاتصالات والمراسلة، على رغم أن إعداد مثل هذه البرامج يستلزم إحاطة بما حدث ويحدث في المجتمع، ثم انتقاء ما يحتاج إلى استعراض لكونه تحوّل إلى قضية رأي عام واهتم به شريحة كبيرة، بعدها يمكن استقبال الاتصالات، مثل هذه البرامج تحتاج إلى تخطيط وتحديد هدف لكل حلقة مع تماس مباشر بما يحدث في المجتمع لتحقق هدف التنبيه والتهذيب.

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.