في مقطع لطيف ظريف وقف العامل الآسيوي وهو ملتف بوزرة ويرتدي فانيلة داخلية نصف كم، ليشرح بكل «براءة» كيف يصنع من زيت القلي العادي، زيت خروع! بإعادة التعبئة في عبوات مختلفة مع إضافة لون أحمر وستكر لامع، و«كله عند العرب زيت»، وعملية الغش الصغيرة هذه تحمل نفس جينات عمليات غش أكبر خارج نطاق زيوت القلي و«التطبب»، بتغيير واجهات و«تغليف» ودبج عبارات تضخم الصورة، فالغش لم يأت من العامل فقط بل هو أداة في يدٍ أكبر منه، وهي في الغالب يد محلية، في الحقيقة هما يدان اثنتان، واحدة للصانع والثانية محسوبة على الرسمي المراقب ممثل الجهة الرقابية.
وبشيء من الدعاية في قنوات فضائية ووسائل تواصل، يمكن أن يصور لك هذا «المعمل» أو مثيل له أنه متخصص بإنتاج زيوت الأعشاب الطبية واستخلاص المواد الفعالة منها على أحدث التقنيات وبطريقة «احترافية» مع علامات جودة وشعارات معاهد «متخصصة»، وقد يضيف باللون الأحمر أنها عضوية وغير معدلة وراثياً! أما إذا كان الغرض من الحملة الدعائية هدفاً أكبر «استراتيجياً» فسيتم تطريزه بمصطلحات اقتصادية رنانة فيقال إنها صناعة تحقق تنويعاً لمصادر الدخل مع قيمة مضافة معتبرة وتوظف أيادي عمل وطنية ويمكن طرحها للاكتتاب العام و«كي يستفيد أكبر عدد من المواطنين الشرفاء».
في الحال الأخيرة يستلزم الأمر تغيير طفيف لمحتوى المقطع من كشف حال غش إلى وضعية عرض منجز، ولا بد من تطوير المؤثرات، وعلى قول المثل المصري «لبس البوصة تبقى عروسة»، يتم «إعادة هيكلة» العامل بالمرور على الحلاق ليتم إحداث طفرة شكلية على هيئته، فيرتدي بدلة وكرافتة بدلاً من الوزرة والفانيلة النص كم، واللغة إنكليزية أو فرنسية ضرورة بدلاً من العربية المكركبة. وكما تم لزيت القلي الذي تحول إلى زيت خروع، قد يتحول أيضاً إلى زيت وقود للطائرات النفاثة، والغش هو الغش، الصغير منه والكبير.
الفرق أن الصغير ينكشف أسرع ويمكن تصويره في مقطع ليرمى في أمواج وسائل التواصل، أما الكبير فدونه أسوار ومصدات أمواج.
في قضية الغش الصغير، قال صديقي إن الناس يشترون أي شيء، قلت إن الناس أهملوا لفترة طويلة، وفتش عن المستفيد!