بعد عمر طويل من صناعة المركبات والتفنن في أشكالها وأحجامها، ابتكر المخترع في العالم الأول «شعوراً» لهذه المركبات، حساسات مرهفة لها، إنها تنبه السائق إلى تجاوز منه أو عليه، ضمن حيّز مكاني محدد، أصبحت للمركبات قرون استشعار مع الحساسات هناك كاميرات أيضاً، ترى ولا ترى إن لم يكن السائق يرى، لكن هذه «الحواس» التي ابتكرها مخترع العالم الأول أدت إلى نتيجة عكسية لدى المستهلك في العالم الثالث، بدلاً من أن تحدث لديه طفرة «حواس» وفائضاً في الإحساس وشعوراً بمن حوله، تآكل إحساسه وبدأ يفقد حساسيته اعتماداً على إحساس الآلة.
من قديم كتب المفكرون عن تشابه بين الحيوان والإنسان، وأخذوا يعددون أوصافاً وخصالاً أخذها الأخير من الأول، من سمات الشخصيات إلى حالات الانفعال، الآن يمكن القول إن الإنسان أيضاً، وخصوصاً في دول العالم المتأخر أو المستهلك لمنتجات العالم المتقدم، أخذ من الآلة برودها «وجفاستها» وربما حاجة بطاريتها إلى الشحن، استعاض بحواسها عن حواسه لتموت قرون استشعاره ورهافة حسه، شعوره بالآخرين القابعين في الجهاز أكثر من درايته بمن حوله، الصوت أو الحرف الهاطل من الجهاز أشد سطوعاً من الحاضر بجسده وروحه، لذلك ربما لاحظت معي أن هناك معالم ظاهرة سلبية تشبه الموجة، سبق لي الكتابة عنها، وازديادها حتّم إعادة الكتابة، أراها غمامة غبار تنتفخ، يمكن لي أن أطلق عليها القابلية «للاستدباش»، مع أن «الدباشة» مستنكرة، إلا أن مؤشراتها تراجع كبير في الإحساس بحقوق وحضور الآخرين.. بوجودهم، تجاوز الأمر قيادة السيارات الذي نعلمه، بل تم البناء عليه في الأماكن العامة من دون سيارات، وسط الغادين والرائحين «والمهجولين» على أرجلهم، إنك تلاحظ تلك القابلية في الأسواق، وأمام أبواب المصاعد، وعند أبواب الخروج والدخول بشكل عام، ومثلما أخذ السائق من المركبة قسوتها وسرعتها واستخدمها في «تواصله» مع الآخرين، أخذ الماشي من الأجهزة عزلتها وتبلّدها، وحين تكون هي داخل النطاق يصبح هو خارجه.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط