إحياء الكرامة 2 من 2

في رسالة طويلة يصف المهندس زكي محمد علي فارسي الموقف الذي تعرض له من بعض العاملين بإدارة المرور في جدة، المهندس زكي محمد فارسي شخصية معروفة، من أبرز أعماله خرائط المدن التي كانت من الأحلام، عمل عليها بإصرار حتى أصبحت واقعاً، كان الرجل في مهمة عمل بصحبة بعض المهندسين في سيارته على طريق المدينة السريع، وتم إيقافه للاشتباه بتعدي السرعة القصوى، يقول المهندس إن هناك سيارة مطابقة لسيارته كانت موقوفة أيضاً مع مجموعة من السيارات، حاول الرجل إيضاح وجهة نظره لرجل المرور، مثل غالبيتنا، ولكن من دون فائدة، رجل المرور هو رجل تطبيق النظام، لكنه في بلادنا أيضاً الخصم والحكم، كان هناك إصرار على الحجز، وهو إصرار تمت ملاحقته كما يقول المهندس بمكالمة تلفونية للتأكد من تطبيق الحجز، والرجل منشغل بأهل بيته الذين لم يتمكن من الاتصال بهم، ها نحن أمام مهندس يصف لنا غرفة الحجز في مرور جدة، (فوجئت وللأسف أن عدد البشر الموجودين داخل الغرفة كان تحديداً 39 شخصاً، بخلاف الأعداد التي أدخلت بعدي في غرفة مساحتها لا تزيد على 4.5 متر × 9 أمتار، ولكن المؤلم أكثر أن الغرفة لم يكن بها حتى أي بساط أو أي كراسي، بل بعض المراتب التي لم تكف لثلث ذلك العدد، ولذا اضطر كثير منا إلى الجلوس على البلاط، وهو ما يجعلها لا تتماشى مع أدنى المواصفات المستخدمة في غرف السجناء المحكوم عليهم وليس الموقوفين، وبقينا هكذا نحو 3 ساعات تقريباً) ثم نقل مع بعض الموقوفين إلى غرفة أخرى أقل عدداً، وبعد ذلك يظهر أن اتصالات تمت، فنقل لوحده إلى غرفة خالية ومفروشة، بمعنى أنها ليست على البلاط ومتوافرة لتخفيف الازدحام إذا رغبت الإدارة!! المهم أنه يحلف بالله، ومن حلف له بالله فليصدق، وأنا أصدقه، أنه لم يكن يبحث عن استثناء، لكنه في هذا الخضم يبحث مثلنا جميعاً عن حسن التعامل والحفاظ على كرامة البشر، حتى ولو كانوا مخطئين، لا يمكن إصلاح الناس بالمظالم، درء المفاسد مقدم كما نعلم على جلب المصالح، الأصل أن من يوقف يجب أن يتعامل معه برقي واحترام حتى يصاب بالخجل، فكيف بقضايا اشتباه تخضع في كثير من الأحيان للأمزجة الشخصية والعناد، بربكم ماذا نتوقع ممن يخرج من غرف إيقاف بمثل تلك الأوضاع، للقانون نص وروح، وأصله وسبب وضعه حماية البشر، ولا تأتي الحماية بمس الكرامة، المضحك المبكي أن المهندس زكي محمد فارسي كان في مهمة رسمية، هذا نموذج آخر يحتم علينا البدء بمشروع للحفاظ على الكرامة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.