والله إن الدهشة بلغت مني مبلغاً وصل حدّ الصدمة! ولو كنا نشاهد فيلماً كرتونياً خرافياً (من الخرافة وليس من الخراف)، لما جمح خيالنا إلى توقع ما حصل، ولا أن يحصل بالطريقة التي حصل بها!
الحاصل يا “جماعة الربع” أنه في لحظة استطاعت هيئة سوق المال أن تحول القرارات الإيجابية إلى قرارات سلبية. أمر خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، بدرس التجزئة، والسماح لغير المواطنين بالاستثمار في سوق المال السعودية (كانت مرتبة هكذا في الأمر الملكي)، فجاءت الهيئة، في لحظة، متجاوزة حتى تصريح وزير المال يوم الأحد لتعلن صباح أمس أن موعد السماح للمقيمين بالدخول في السوق هو السبت المقبل! ولا حديث عن تجزئة الأسهم، والمحفزات والمنشطات مثل التجزئة ودخول مستثمرين جدد تحولت إلى صدمات كهربائية استخدمها مَن لا يجيد الإسعاف لإنقاذ جسد سوق المال المنهك.
أقل ما يقال عن ما حصل أنه “سوء دبرة”، إذ يصاب المرء بالدهشة: “أين الخبرات الاقتصادية والجهات المالية للاستفادة القصوى من الأمر الملكي الكريم، ولماذا تتحول من الإيجاب إلى السلب هكذا وببساطة، ولماذا يشعر المواطن أن مصلحته في آخر القائمة؟”.
طالبت بالتحقيق في ما حصل في سوق الأسهم في المقالات، وفي لقاء تلفزيوني على قناة “أوربت” السبت الماضي، وقلت وقتها إن التجزئة لا بدّ من أن تكون أولاً حتى تأخذ وضعها في السوق للمصلحة العامة، ولكن يبدو أننا سنطالب بالتحقيق في أمور كثيرة. قدمت هيئة سوق المال درساً في المواطنة للإخوة المواطنين، ووضعت مصالحهم في آخر قائمتها.
وحتى أكون واضحاً وبعيداً عن أفلام الكرتون الخرافية أقول، والله المستعان، إن غالبية المقيمين في السعودية هم من أصحاب الدخول الصغيرة، وكان من الأولى تجزئة الأسهم قبل السماح لهم بالدخول حتى تكون في متناول أيديهم. هذا أولاً، وثانياً أن المراقب أوضاع البنوك يعلم علم اليقين أنها في الأصل لا ترحب بالمستثمر، حتى لو كان لديه مئة ألف ريال، وبعض البنوك لا تسمح أصلاً للمستثمر بالدخول إلى صالة التداول إذا كانت محفظته تقل عن نصف مليون ريال، وفوق هذا فإن صالات التداول في البنوك مزدحمة والناس فيها وقوف كأنهم في جسر الجمرات! وفوق هذا فإن أنظمة التداول مختنقة، وقضايا “تعليق الأموال”، والأخطاء في المحافظ الاستثمارية، بسبب المشكلات في أنظمة البنوك التقنية، بالعشرات، وربما بالمئات، فكيف يزاد الطين بلة بإدخال مستثمرين جُدد إلى نظام متشبع؟! ثم إن هناك دراسة في الأدراج للسماح بدخول الخليجيين لا يعرف مصيرها!
هكذا نرى أن “البطء يولد الارتجال”، وقرار فجائي في شكل كهذا، وفي وضع مثل وضع سوق المال السعودية، تحول إلى قرار “شبه سلبي”، فلا التوقيت، ولا الأسلوب كانا إيجابيين. لقد كان الأمر بالإسراع في التجزئة مكرمة ملكية، لكنها لم تصل إلى المواطنين، والسبب “سوء الدبرة” من إدارة سوق المال، وهو ما يعيد طرح السؤال: “هل القرارات الاقتصادية في أيدٍ خبيرة وذات كفاءة؟!”.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط