يحمد الإنسان ربه الكريم المنان على نعمه التي لا تحصى، ومن النعم الكبيرة على الكاتب اهتمام القراء وسؤالهم عنه عند اختفاء زاويته، وخلال شهر من غياب هذه الزاوية، وصلتني كثير من الرسائل من طريق البريد الإلكتروني أو من خلال رسائل واتصالات هاتفية فضلاً عن الفاكس من قراء ليس بيني وبينهم علاقات شخصية، بل هي علاقة حرف وكلمة ومضامين، وهي محصلة أراها طبيعية، الذين تهتم بهم وبشؤونهم وقضاياهم يهتمون بك ويسألون بإلحاح، هكذا ببساطة، من هنا فإن أقل الواجب تقديم الشكر والتقدير لهم.
إن قيمة الكاتب لا تأتي من عدد القراء المتابعين لما يكتب فقط، بل من مدى ارتباطهم وحرصهم على ما يقدم، فمن خلال الكتابة تنشأ علاقة حميمة بين القراء والكاتب، لا علاقة لها بالمجاملة التقليدية التي يجدها من يطرح نفسه على السطح في لقاءاته الشخصية، بل لا يمكن وصف مثل تلك العلاقة إلا بأنها إشارة إلى النجاح في التعبير عنهم وعن بعض ما يعتمل في صدورهم، فلهم جميعاً مني الشكر والامتنان، هذه المشاعر هي مما يحمّل الكاتب مزيداً من المسؤولية ويدفعه للاستمرار، على رغم المصاعب التي تحفل بها مهنة الكتابة والصحافة.
ومن أطرف ما وصلني فاكس من قارئ كريم، يسأل عن أسباب الانقطاع وهل هي خاصة أم عامة، ثم يعلق قائلاً: “إن الكاتب لو توقف أو أوقف تبقى يده وأصابعه تتحرك، حتى ولو كانت لا تحمل قلماً”، ولأن الانطباع عن هذه الزاوية “أحياناً” أنها زاوية ساخرة قام القارئ بتشبيه الوضع “هداه الله” بحال حيوان الوزغ، فعندما يفارق الحياة يبقى ذيله يتحرك لزمن طويل نسبياً، ولا أخفي على القراء الكرام أنني استأت من التشبيه البغيض وكتمت غيظي، خصوصاً وأنا لا أكتب، لذلك لم أرد على رسالته، ثم أرسل معتذراً ومستدركاً قائلاً انه لا يقصد التشبيه بعينه، لكن صورة الذيل المتلوي خلبت لبه “وهيضت” الغدة الساخرة لديه، فجعلته يقول ما قال، مع الفارق الذي حرص على تأكيده مشفوعاً باعتذار تقبلته.
صحيح أن كثيراً من الكتاب لا يحصلون على نتائج سريعة لما يطرحون، على رغم صدقية أقلامهم وحرصهم، بل قد يواجهون باللوم، لهذا قد يقول “البعض” عنهم إنهم عادوا يجرون “أذيال” الخيبة! لكن الحقيقة “المرة” تقول أيضاً إن كثيراً مما يكتب ويراه البعض تضخيماً أو إثارة، وربما يطير به “بعض قليل” فرحاً فيثيرون حوله الغبار ويستخدمونه ضد الكاتب أو الصحيفة… تثبت الأيام أنه كان تنبيهاً مبكراً هدفه تقليل الخسائر وتضخيم الايجابيات واختصار المسافات، ودافعه الحب والصدق، بحثاً عن الأفضل للكيان الكبير ولمن يحتضنه.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط