عبدالله نور

متأخراً أكتبُ عن عبدالله نور الإنسان والأديب رحمه الله تعالى، عُرِفَ عبدالله نور بأنه موسوعة ثقافية لغوية وتراثية أصيلة، موسوعة متحركة تستند إلى ذاكرة قوية، هذا جانب معروف، وبمقدار هذا الثراء الذي لا يختلف عليه مَنْ عرفه، كان لديه فائض إنساني رحب وتبسّط لافت.
لم يكن عبدالله نور صاحب مال أو منصب، ومع هذا كان كريماً، يغرف من علاقاته الشخصية الثرية مع الكبار الذين يقدّرون تجربته، ليقضي حاجات الناس، وفي هذه كان مبادراً غير منان لا بالقول ولا بالفعل، فما أن يسمع أو يعلم بحاجة يستطيع التوسط فيها حتى يهب ليمسك بيد صاحب الحاجة إلى من يتوسم فيه قضاءها، ومما يصيب المرء بالحزن والأسى أن يموت عبدالله في مستشفى متواضع الإمكانات، منتظراً النجدة… ثلاثة أيام، وهو الرجل الذي طالما توسط للكثير في دخول المستشفيات وغيرها كثير، وقصة وفاته المحزنة شاهد آخر على تردي النظام الصحي، وأعلم أن كبار المسؤولين لو علموا بوضعه في وقته لهبوا لنجدته، بل عندما وصل الخبر عن حالته إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله حاول، ولكن قدر الله تعالى لا مفر منه، فكان الرجل الكبير كما تعوّدناه حاضراً معزياً ومواسياً لأبناء الفقيد.
لم يكن عبدالله يلقي بالاً للفارق العمري أو الثقافي بينه وبين من حوله، كان رجلاً معطاء يحب التعلم والتعليم، ونقل الخبرة والتجربة، لا يبخل بإسداء النصح، خصوصاً في قضايا الكتابة والأدب والمجتمع، وهو المسكون بالتراث واللغة، كان يبتهج طرباً حينما يرى أقلاماً جديدة تنضم إلى الساحة، فيحاول جاهداً الإرشاد، حريصاً على التذكير بأهمية البحث وعندما يُسأل عن شأن لا يعلمه لا يتردد في التوجيه بالبحث عنه في تلك المكتبة أو مركز الملك فيصل للبحوث الذي احتضنه فترة من الزمن، ولا يتوقف هنا، بل يبادر بالاتصال ليسهّل الأمور، كان فريداً من نوعه، جمع التراث القديم والجديد، وعلى رغم اعتداده بنفسه وثقافته فلم يخالط هذا الاعتداد غرور أو طاوسية تلمحها في بعض من لا يملكون بعضاً من ثقافته أو حضوره الشخصي، كان رجلاً متبسطاً عن دراية وسهلاً ممتنعاً، عرفته في مجلة اليمامة عندما كانت ساحة يؤمّها المسكونون بالكلمة والحرف، وكنت أرى في عبدالله نور كنزاً لم يُكتشف، وحاولت بقدراتي المحدودة المتواضعة حل اللغز، لكنه كان عصياً على الاكتشاف، وعلى رغم الفارق الكبير في الثقافة والاطلاع والتجربة وكذا العمر، نشأت مودة بيننا أعتقد أن مثلها نشأ بينه وبين كل تعرّف على معاناة الإنسان بداخله.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.