“سعة الوجه”

يوصف وجه قليل الحياء بالسعة، فيقال “فلان وجهه وسيع”، والسعة هنا، وإن كانت تعطي ظاهراً معنى الرحابة الفسيح، إلا أنها صفة سلبية ممقوتة، وقد – أقول قد – يكون سبب الصفة أتى من قيمة الوجه لدينا، فهو الواجهة بما تعنيه من الكرامة والأنفة، فيقول أحدهم على سبيل المثال إن “فلاناً في وجهي” قاصداً أنه في حمايته، وإذا حصل خطأ عفوي من آخر قال لك معتذراً “امسحها في وجهي”، وأنت وحظك مع ذلك الوجه، فقد تجد مساحة للمسح أو لا تجد، لأن كثرة المسح تخفي الملامح فيظهر من أمامك كالشبح. ويوصف قليل الحياء أيضاً بأن “وجهه مغسول بمرق”. لم يُحَدَّد نوع المرق! هل هو مرق خضار أم لحم؟ ربما هما مجتمعان! وأصبح نوع المرق المطلوب لغزاً شبيهاً بالخلطة السرية، لذلك يحتار في نوعه بعض من يطمح إلى غسل وجهه بالمرق، ليتمكن من مجاراة المغسولة وجوههم بالكثير منه، والسبب هو النتائج التي يراها نجاحاً في الركض والوصول إلى الهدف المطلوب.
وربما يذكرك هذا المقال بشخص “وسيع وجه” مر عليك في حياتك، وربما أكثر من شخص، بحسب تجاربك معهم. ولم أجد خلال الأسبوع الماضي أوسع من وجه عصابة من اللصوص قامت بسرقة حفار “بوكلين”، وهو من المعدات الثقيلة، من أمام استراحة صاحبه في حي “العريجاء” في الرياض أواخر ساعات الليل، ثم حملوه برافعة، وهو ثقيل، إلى موقع للتشليح في الطرف الآخر من المدينة، وقطعوه لبيعه حديد خردة! ولم يتبقَ من الحفار في الصورة التي نشرتها جريدة “الرياض” سوى القفص الصدري!
واللصوص من أوسع الناس وجوهاً، صحيح أن عملهم في الغالب يتم ليلاً، إلا أنك لو صادفت أحدهم وهو يمشي في شارع موازٍ للطريق الذي تمر فيه، فسيرتطم كتفك بوجهه من سعته. ولم أجد أوسع وجهاً من هؤلاء اللصوص، يسرقون “بوكلين”! هؤلاء لا بد من أنهم تجاوزوا السيارات وغيرها من الآلات، وتخصصوا في الأوزان الثقيلة. وهذه القضية تشير إلى سهولة إيجاد أماكن لتقطيع المسروق وتوافر مواقع لبيعه، والشرطة مشكورة قامت بالقبض على الجناة، وعلى رغم سرعة القبض عليهم، إلا أنهم كانوا نجحوا في تقطيع الحفار إلى قطع صغيرة، ولم يبق منه سوى أشلاء “بوكلين”.
نحتاج إلى وقفة حازمة مع هذه السرقات. كانت البداية بسرقة كابلات الكهرباء طمعاً في النحاس، ثم تطورت. ونحتاج من هيئة التحقيق والادعاء العام، ومعها القضاء، إلى السرعة في حسم مثل هذه القضايا، وإصدار الأحكام فيها وإعلانها، ومعرفة كيف سيحصل ضحية السرقة على حقه الضائع، ثم أين أحكام قطع اليد التي كانت رادعاً لكثير من المجرمين؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.