الاعتقاد السائد لدى بعض الكتّاب والقرّاء أن النشر الصحافي عن القصور في خدمات الأجهزة الحكومية والمخالفات والجرائم وتسليط الأضواء الإعلامية عليها هو إحدى وسائل التشخيص، ولا بد أن تعقب ذلك التشخيص معالجة لكل قصور ومعاقبة لكل مجرم. أيضاً هو يفيد في جانب التوعية، فلا بد من أن يعلم الناس ما يدور حولهم، حتى لا يصبحوا مثل “الأطرش في الزفة”. هذا هو الاعتقاد السائد. وهو اعتقاد يقوم على حسن النية والطوية في أن المسؤول لم يعلم أو لم يتبين – من خلال أجهزته الرقابية – ما حدث أو يحدث في حدود صلاحيات الجهاز الذي يديره.
فهل هذا الاعتقاد ما زال صائباً ونحن نرى تكراراً موسمياً لكثير من الأخطاء والعبث بالأنظمة والقوانين والجرائم المختلفة؟ هل تمت الاستفادة من إشهار تلك المخالفات على أنواعها ونحن نرى استمرار تكرارها موسمياً؟ الأصل أن اكتشاف الشّق يحفز على البحث عن الرقعة المناسبة وبالسرعة الممكنة، وباستثناء تصريحات صدى المنشور في الصحف، التي تقدم الوعود بالتصدي وتطبيق القوانين وتشكيل اللجان للتحقيقات، لا يجد المتابع تطوراً يذكر. نموذج واحد للتطبيق لا يراه المراقب، إذ أستثني هنا الأجهزة الأمنية وما في حكمها. لقد شهدت هذه الأجهزة تطوراً كبيراً في الاهتمام بما ينشر، والتحقيق في ملابساته، وإظهار نتائج التحقيقات للعلن. وفي حادثة الفندق الذي انهار في مكة المكرمة، وغيرها كثير، شواهد يراها المنصف. أيضاً تطورت هذه الأجهزة إلى الأمام وها هي تعتزم تكليف متحدث رسمي أمني لشُرَطِ المناطق، وهو ما يحسب لهذه الأجهزة في التفاعل الايجابي والتطور.
لكن ما حال الأجهزة الحكومية الأخرى؟ لقد بقيت على حالها للأسف أو تراجعت. في الحقيقة ان بقاءك على وضعك في هذا الزمن يعني تراجعاً كبيراً، لذلك عندما أقرأ الأخبار المروعة عن الجرائم التي ترتكب في حق المستهلك، والتي وصلت إلى تزوير تاريخ صلاحية الدواء وإعادة بيعه (أكثر من مليون عبوة)! ومن خلال مؤسسة أو شركة “لا يذكر اسمها ولا اسم صاحبها”، وقضايا متعهدين من شركات التغذية وما يحصل من تسمم، أتذكر حادثة وقعت قبل سنوات وطواها النسيان عن شركة سوّقت أطناناً من حليب الأطفال الفاسد، وأصبحت من محفوظات الأرشيف! كل هذا يختفي أمره ولا يذكر سره، ولا ما تم فيه من تحقيقات، وما صدر من أحكام. ما السبب؟
إن هذا السؤال هو الشغل الشاغل للمواطن، والنتيجة ليست سوى دافع للباحثين عن الثراء السريع من أصحاب الذمم الواسعة الرحبة إلى الاستمرار في نهج طريق الموت هذا، ما الأسباب؟ وهل نحن بحاجة إلى جهة رقابية تراقب عمل الجهات الحكومية في هذا الجانب؟ فهل تقوم بدورها، خصوصاً أن الأجهزة الرقابية الحالية لا تفعل شيئاً يذكر؟ إننا بحاجة لإطلاق حملة “يكفي” جديدة: يكفي صمتاً على هؤلاء المجرمين.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط