قلة الوعي والحيلة

حذرتْ مؤسسة النقد العربي السعودي المواطنين والمقيمين الأسبوع الماضي من عمليات نصب واحتيال مصرفي. وأوضح البيان، الذي نُشر استناداً إلى مصدر رسمي في المؤسسة، أساليب عمليات النصب والاحتيال التي يمارسها أفراد وعصابات، “استغلالاً لقلة الوعي المصرفي لدى بعض عملاء البنوك” كما قال البيان المنشور في “الحياة” (الأربعاء). من مهمات كل جهاز حكومي أن يقوم بتوعية المواطنين، وتحذيرهم من عمليات الاحتيال. وفي نشر الحوادث والقضايا للجمهور أكبر جرعة من التوعية. كل جهاز ومسؤولياته التي حددها النظام. ومؤسسة النقد واحدة من الأجهزة الحكومية، إلا أنها من “الصامتين الكبار” ، وصمتها بلغ حداً لا يطاق في قضايا كثيرة. وعندما نطقت، بعد انهيار سوق الأسهم، على سبيل المثال، أبلغت الجمهور بأن أحوال البنوك مطمئنة، ولا خطر عليها مما حصل، وتوقفت عند هذا الحد! فلم تتحدث عن العملاء الذين أبدت حرصاً عليهم في بيانها الجديد. لهذا من اللافت أن تقوم بتحذير المواطنين والمقيمين من عمليات النصب والاحتيال. سبب التحذير في تقديري جاء لأن تلك العمليات التي تستغل “قلة الوعي البنكي لدى بعض عملاء البنوك”، قادمة من الخارج! حسناً، لماذا تصمت مؤسسة النقد عن الاستغلال الداخلي “لقلة الوعي البنكي لدى بعض العملاء”؟ هل يذكر أحد منا أن هذه المؤسسة قامت في يوم من الأيام بالإعلان عن معاقبة بنك واحد، لأنه فعل كذا أو كذا؟ هل يملك أحد الجرأة ليقول إن بنوكنا “المتطورة” التي أصبحت فروعها في كل زاوية وآلات صرفها تحتل مواقف السيارات والأرصفة، لا تستغل قلة الوعي البنكي، أو أنها لم تخطئ في حق عميل؟ ليس هناك من عاقل يمكن أن يقول ذلك، فلماذا يأتي التحذير والتنبيه عندما يأتي، الاستغلال من الخارج فقط؟ وماذا عن الداخل؟ وفي قضايا القروض بفوائدها المركبة ومَحَافظ الأسهم الكثير الكثير، ما يُحتفظ به في أدارج المؤسسة. فهل بنوكنا معصومة؟ أم أن مؤسسة النقد أضعف من أن تنبهنا إلى قلة وعينا عن أخطائها في حقنا؟ أبحث عن بيان واحد فقط تتصدى فيه المؤسسة لأحد البنوك لمصلحة عميل، حتى ولو كان ذلك يتم بشروط خصوصيتنا! أقصد بأن يقال “أحد البنوك”، ولا يذكر اسمه، كما جرت العادة مع الشركات والمؤسسات المخالفة في بلادنا الغالية. أبحث عن خبر واحد مثل ذلك فلا أجد. هنا “يَسْدَحُ” السؤال نفسه على بوابة المؤسسة ليقول: مَن الذي يكرِّس قلة الوعي البنكي لدى المواطنين والمقيمين ويحافظ على مستوياته المتدنية؟ أليس هو مَنْ جعل من البنوك حصوناً مشيدة معصومة لا يأتيها الباطل من أية جهة، بخاصة من جهة العميل قليل الوعي و… الحيلة؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.